مقالات الرأي

مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية 

بقلم/ محمد أبو خروبة

يبدو أن أنظمة هذه المنطقة، وقادتها وزعماءها وميليشياتها ومعارضاتها وأحزابها ونخبها، قد نزلت جميعها من السماء شخصيات وكيانات إلهية المصدر ولا تعرف إلا الانتصارات، ربما هذا ما جعل المنطقة متخمة بالأيقونات والشهداء والجهاديين والمقاومين، والعلماء أيضًا، طبعًا. 

لقد سارت نخب هذه المنطقة، أو التي يفترض أنها نخبها، في ركاب الشعبوية، ومارست الغوغائية، وأبدعت في إنتاج الأوهام، وفي نظرة إلى الخلف خمسين عامًا، سنكتشف ببساطة أن مسيرة المنطقة كانت انحدارية، من سيئ إلى أسوأ، منطقة لا تنتج شيئًا، لا بالمعيار العلمي، ولا الحضاري الثقافي، ولا بالمعيار الإنساني، قدماها في الحاضر وعقلها في الماضي، منطقة لا تنتج إلا الاجترار والانتصارات، وبالوطن العربي، يعزى للدولة اليهودية أنها السباقة لاعتماد الاغتيال، نهجًا لها منذ بداية تأسيسها في نهاية الأربعينيات من القرن المنصرم، وقد واصلت هذا النهج في محطات عدة حتى يومنا هذا، ولم تقتصر اغتيالاتها على السياسيين والرافضين لسياساتها، بل شملت العلماء والخبراء العرب الذين كان وجودهم سيسهم في تطوير التكنولوجيا والصناعات العربية.

ولم تستهدف اغتيالاتها بلدًا عربيًّا بعينه، بل شملت معظم البلدان العربية، في الخمسينيات، أقدمت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ديفيد بن غوريون، على عمليات تفجير استهدفت مقرات تجارية أمريكية، في محاولة لوضع إسفين مع القيادة المصرية التي تسلمت الحكم بعد تغيير النظام السياسي، وتواصل نهج الاغتيالات في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وإثر حرب يونيو عام 1967، وأثناء حرب الاستنزاف، جرى اغتيال رئيس الأركان المصري، عبد المنعم رياض أثناء زيارته لخطوط الجبهة على الضفة الغربية لقناة السويس، وكانت للفلسطينيين من الاغتيالات الإسرائيلية نصيب الأسد، حيث جرت ملاحقة المناضلين الفلسطينيين في كل مكان، شملت دولًا أوروبية وبلدانًا عربية في لبنان وسوريا وتونس، ولم تتوقف عمليات الاغتيال طيلة تاريخ المواجهة بين العرب وإسرائيل، وحين تأسست حركة حماس في قطاع غزة، تمت تصفية قادتها جسديًّا الواحد تلو الآخر، ابتداءً من مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، إلى عبد العزيز الرنتيسي، الذي اغتيل في 2004، بعد اندلاع ما بات معروفًا بطوفان الأقصى، الذي أقدمت عليه حركة حماس، عملت إسرائيل على استهداف قادة الحركة، فجرى اغتيال صالح العاروري في يناير من هذا العام، وتمكنت إسرائيل أيضًا من اغتيال زعيم الحركة إسماعيل هنية، في 31 يوليو أثناء زيارته لطهران للتهنئة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية الإسلامية.

اغتيال زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله، يأتي في سياق متصل من الاغتيالات التي باتت منهجًا مألوفًا ومعتمدًا من قبل الحكومات الإسرائيلية المختلفة، وكانت حصة حزب الله في الاغتيالات الإسرائيلية كبيرة، خاصة بعد إعلان الحزب إسناده لحماس في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، وأبرز تلك الاغتيالات التي شملت قادة الحزب في الآونة الأخيرة، اغتيال فؤاد شكر، الذي هو بمثابة رئيس الأركان في حزب الله، في يوليو من هذا العام، وكنا في الحديث السابق، قد أشرنا إلى عملية “البيجرات” و”الواكي توكي”، التي استخدمتها إسرائيل، وسائل لقتل المدنيين والأبرياء من الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل في المواجهة مع الحزب، في حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ، أمام أنظار ومسمع العالم بأسره، تسببت في مصرع وجرح الآلاف من المواطنين اللبنانيين.

عملية التفجير، التي ارتكبتها حكومة نتنياهو، في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي كان قائد حزب الله أحد ضحاياها، هي جريمة بكل المقاييس، استخدم فيها عشرات الأطنان من المتفجرات، وأدت إلى تدمير ستة مبان بساكنيها، جلهم من المدنيين، ينبغي ألا تمر هذه العربدة، أمام العالم، من غير حساب. وللأسف فإن هذه الجريمة تحظى بدعم واسع ومطلق من إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، التي وقفت ولا تزال تقف مقدمة الدعم لحرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو في قطاع غزة ومؤخرًا في لبنان، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى، على القوى الكبرى، وبشكل خاص روسيا والصين. ولن يكون مقبولًا تعلل روسيا بانشغالها بالعملية العسكرية الخاصة التي تشنها على أوكرانيا. كما لن يكون مقبولًا أيضًا، تذرع الصين بانشغالها بمشاكلها في بحر الصين، ومع حكومة تايوان. إن مثل هذه الذرائع تعني سيادة قانون الغاب، وتعطل دور المؤسسات الناظمة للعلاقات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن مسؤولية الدول الكبرى في حماية القانون الدولي هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية، ومحاسبة القوى التي تضرب بالمبادئ والقوانين الدولية عرض الحائط، وإذا لم يتم التصدي لتلك القوى فإن البديل عنها هو العودة إلى المرحلة التي انعدمت فيها قوانين الاستقلال والسيادة والكرامة الإنسانية وانفلات الأمن الدولي، فهل تتحرك البشرية لتغيير هذا الواقع قبل فوات الأوان؟

زر الذهاب إلى الأعلى