مقالات الرأي

مخاض العالم 

بقلم/ المهدي الفهري

تسلسل الأحداث وتسارعها على الساحة الدولية ينذر بتدحرجها نحو التوسع والانفلات والانحدار نحو الحروب المفتوحة التي يحاول البعض استغلالها والاستفادة منها للقيام بتغيير بعض المعادلات في المنطقة وما زال يقتنص الفرصة والظروف المناسبة لتحقيقها باعتبارها تغيرات استراتيجية حاول الغرب وحلفاؤه الدعوة والدعاية إليها منذ فترة طويلة، وفي مقدمتها شرق أوسط جديد برؤية غربية يضمن القوة والتفوق والاندماج لوكيله المدلل والأكثر ثقة لديه، ويحافظ على المصالح الغربية في المنطقة، وهذا ما يؤكد الحاجة الماسة إلى قيام عالم جديد متعدد الأقطاب يخلق نوعًا من التوازن ويقف إلى جانب القضايا العادلة ويكون أكثر إنصافًا وانضباطًا وأكثر صدقًا وإنسانية وقدرة على حمل وتحمل المسؤولية.

ومع أن بناء هذا العالم ليس بالأمر الهين ولن يتم بين يوم وليلة وسيستغرق مدة من الزمن لتحضير وتجهيز الوسائل والإمكانات اللازمة لذلك وإن بدأت بعض أقطابه ومحاوره في التكتل والتشكل ومحاولة رسم بعض الأهداف الاستراتيجية المرجوة والمنشودة وفي كل الأحوال لا ينبغي أن نبالغ في الوهم ونتوقع أن يكون هناك اتفاق على قيام نظام عالمي مثالي كما نريده وكما يحلم به الجميع، ونحن نرصد ونرى تحركًا كبيرًا من قِبل الكبار يسعى إلى تطويع الجغرافيا السياسية لمصلحته وتحقيق طموحات جيوبوليتيكية هامة لأجل الهيمنة والتحكم ولا يزال يتربص ويرفض وجود أي ند أو منافس له حتى لو تمت التضحية بمنافس إقليمي بعينه أو بشعوب بأكملها.

وما نراه اليوم وفي هذه الأوقات الحاسمة وما تمر به منطقة الشرق الأوسط من مخاض ضمن مناخ إقليمي ساخن ومتحرك وما يجري في المنطقة العربية من حراك بعكس إرادتها وفي ظل رؤية عربية رسمية عاجزة ومجزأة وغائبة ومغيبة تمامًا عن دائرة الفعل وما نشاهده من صراعات على المصالح والنفوذ ما هي إلا إرهاصات قد تتحول إلى صراعات على المحاور وعلى الهوية وتعيد رسم المنطقة بكاملها بمقاييس رسم حديثة ومقاسات تلائم رغبات الدول العظمى ونهمها اللامحدود الذي لا يقف عند حد من حدود السيطرة ولا يخضع إلى قاعدة واحدة من القواعد القانونية والأخلاقية التي ستزيد قطعًا من حجم المعاناة، فالحقوق لا تُمنح من قِبل الأعداء والخصوم، وإنما تأتي وتؤخذ بفعل كفاح وجهود المخلصين من أبناء الوطن الواحد.

وبما أن بلادنا تقع في وسط الحدث وفي وسط العالم فهي تعكس ما يحصل في قلب العالم من خلافات ومن اتفاقات ومن تناقضات وتوافقات، وهي على مر التاريخ نقطة تلاقٍ وتصادم بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، وكأن التاريخ يتفق اليوم مع جغرافيتها ليبدأ برسم خرائطه الجديدة حولها وعلى محيطها.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي القوة الأقوى والأهم في العالم الآن ولا تزال تسعى إلى المحافظة على التفرد والأحادية والتشبث بهذا الدور الريادي بأي ثمن ولا تقبل بالمنافسة لكن واقع الأمر يكشف أن قدرتها على الهيمنة قد تقلصت، وأن لها من الأزمات الداخلية ما يكفيها وما يلهيها عن الاستمرار في هذا الدور على المدى البعيد، فالوضع الاقتصادي مثلًا ليس بالجيد ومشاكل الفقر والبطالة تزداد حدة، والوضع الصحي أيضًا في موقف سيئ قد يتحول إلى كارثي في بعض الولايات، إضافة إلى تفجر بعض النعرات العرقية والعنصرية من حين لآخر لبعض الفئات المضطهدة التي صارت تعصف وتنخر عمق المجتمع الأمريكي، كل هذه العوامل وغيرها تنذر بالفوضى والتفكك من الداخل وتنبئ بعدم الاستقرار مما سيؤثر سلبًا عن القيام بأي دور فعال كما سبق، بل لعله يحولها كما يرى البعض من قائد عالمي إلى شرطي دولي يرعى ويحرس مصالح الآخرين مقابل حفنة من الدولارات.

زر الذهاب إلى الأعلى