ملفات وتقارير

إحاطة أم إعادة تلاوة ؟ تقرير البعثة لم يأت بجديد وهو تكرار لسابقيه

متابعات – منيرة الشريف :
ما ورد في إحاطة القائم بأعمال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني خوري الثالثة أمام مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، لم يأت بأي جديد، رغم تعقد الأزمة الليبية السياسية وغموضها مؤخرًا، وتعمق الانقسام السياسي وتعقد الأزمة الاقتصادية والانهيار الكلي للخدمات وزيادة صعوبات الحياة وسيطرة حالة من الإحباط واليأس على المواطنين، وأن توالي 9 مبعوثين أمميين على ليبيا دون إيجاد حل للصراع دليل على فشل البعثة، حيث إن هذه الإحاطات لم تأت بجديد، فالليبيون ملوا منها، ويدركون أن ما سيقال هو نفس ما قيل في مرات سابقة، وجميع الذين توالوا على البعثة لم يستطيعوا التوجه إلى الحل، وحيث إن المجتمع الدولي مُصرٌّ على التعامل مع الأجسام السياسية الليبية على أنها ممثلة وهو الذي يقوم بالتمديد لها، والمتابع لما دار في مجلس الأمن قد يتوهم وكأن أزمة المصرف المركزي هي كل الأزمة الليبية، وأن حلها وفق نظام المحاصصة معجزة وانفراجة كبيرة.


فللمرة الثالثة منذ توليها مهامها، خرجت علينا القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري من على منبر مجلس الأمن الدولي لتكرر ما سبقها إليه المبعوثون الأمميون الذين تداولوا على المنصب قبل أن يؤول إليها، من سرد ما يستجد من الأحداث والمواقف في الساحة الليبية، والتعليق عليها بتلك الرتابة المملة التي تستبعد الحل وتحاول تبرير الفشل الأممي والدولي، فيما تنجح بعض الأطراف الداخلية في تحقيق أهدافها ببناء ممالكها وتكريس سلطاتها وتطوير دكتاتورياتها الناشئة، وتستمر عمليات الفساد منقطعة النظير والنهب الممنهج لثروات الليبيين.
خوري، ذكرت أن تسوية أزمة المصرف المركزي مؤخرًا أعطت “بارقة أمل” – على حد تعبيرها – في إمكانية تحقيق تقدم في الجهود المبذولة لتنظيم الانتخابات واستعادة الاستقرار في البلاد، متناسية أن أزمة المصرف المركزي مشكلة عائلية بين آل الدبيبة والصديق الكبير، ولا علاقة للأمر بالانتخابات لا من بعيد ولا من قريب، فالأمر لا يتجاوز الصراع للوصول إلى الموارد والسيطرة عليها وتسخيرها لمصالحهم.
القائمة بأعمال مبعوث الأمين العام تحاول بيع الوهم بإبداء ارتياحها حول الأحداث الأخيرة، مثل إنهاء الإجراءات أحادية الجانب، أو تأمين ضمانات للوفاء بالالتزامات المُتعهد بها، أكثر أهمية من أي وقت مضى للتقدم في إجراء عملية سياسية بناءة. – على حد قولها – ما يدل على أن البعثة ومجلس الأمن نظرتهما إلى ليبيا سطحية جدًّا، وليس لهما أي نوايا جدية لإنهاء الأزمة الليبية واهتمامهما يصب في تدويرها وإطالتها.
وشددت خوري على ضرورة “اتخاذ خطوات إضافية بعد حل أزمة المصرف المركزي، وتعيين مجلس إدارة له، لأن هذا من شأنه إعادة الثقة في هذه المؤسسة”، لكنها لم تتطرق إلى الصراعات التي تدور رحاها من وراء الستار حول تركيبة ذلك المجلس، حيث سعى كل طرف إلى بسط نفوذه على المؤسسة من أجل خدمة مصالحه وتحقيق أهدافه في تحويل ثروة الشعب إلى ريع خاص به وبالمقربين منه والمحسوبين عليه.
قالت خوري إن “هذه الأحداث تذكِّرنا بمدى أهمية استقلالية مؤسسات الدولة الليبية، وضمان عدم استغلال موارد الدولة لتحقيق مكاسب سياسية، وبالخطر الذي تفرضه الإجراءات الأحادية، وحاجة كل الأطراف إلى احترام صلاحياتها، والعمل معًا لإيجاد حل بروح توافقية”، وهي تعلم جيدًا أن لا أحد من القوى الداخلية أو الخارجية الفاعلة يتمنى أن تحقق مؤسسات الدولة الليبية استقلاليتها وأن تحافظ عليها. بالعكس، ما يحدث أن كل طرف يحاول أن يجيِّرها لخدمة مصالحه، وقد أثبتت عواصم إقليمية ودولية عدة أن ما يهمها هو كيف تستفيد من ثروة الليبيين الموجودة تحت الأرض وفوقها، وكيف تجعل من البلاد ساحة لمشاريعها التوسعية في سياق الحسابات الإستراتيجية والصراعات الجيوسياسية، ولعل ما نشر حول اجتماع ما سمي لجنة الترتيبات المالية في مقر السفارة الأمريكية يفضح ادعاءات ستيفاني خوري.
خوري اعتبرت أن استمرار الإجراءات أحادية الجانب لن يؤدي إلا إلى تقويض سيادة ليبيا، وإغراق البلاد في المزيد من الأزمات، وتشتيت الانتباه عن المهمة المطروحة: ألا وهي تمهيد السبيل لحل سياسي شامل يعالج قضايا مثل الانقسام الحالي داخل مؤسسات الدولة، والحاجة إلى حكومة موحدة، واستعادة الشرعية الديمقراطية عن طريق الانتخابات، وهي تعلم أن الدول النافذة في مجلس الأمن هم من عرقل الانتخابات عمليًّا.
بالمقابل، لم تكشف عن الأطراف المحلية التي تعرقل محاولات الحل، ولم تعرب عن إدانة واضحة لمن يحُولُون دون تشكيل الحكومة الموحدة، ولمن يتآمرون بشكل علني ومفضوح من أجل قطع الطريق أمام أي محاولة لتنظيم الانتخابات، فقط ليحافظوا على المناصب التي وضعوا أيديهم عليها بالعمولات والرشى وتنفيذ أجندات القوى الخارجية وخدمة مصالحهم والقبول بالتبعية للأجنبي كأداة للبقاء في سدة الحكم حيث مقاليد السلطة ومفاتيح الثروة.
قالت خوري إن الليبيين عبّروا عن رغبتهم في إجراء عملية سياسية لمعالجة القضايا الأساسية الأطول أمدًا، والتي لا تزال عالقة دون حل حتى الآن، كما أوضحوا رغبتهم في عملية سياسية لمعالجة القضايا الأساسية ومنها طبيعة الدولة الليبية وبنيتها، والتوزيع العادل للثروات على جميع الليبيين. وهذا يستلزم حوارًا شاملًا، وعندما تتحدث عن الليبيين هي بالتأكيد لا تقصد الشعب الليبي، بل أولئك التابعين للدول النافذة ليؤمّنوا مصالحها.
ويبدو أن خوري أرادت أن تعلن من خلال حديثها عن الحوار الشامل عن مشروع مبادرة جديدة، قد تكون الحل المناسب لتمديد مهمتها عامًا آخر على الأقل، عساها تحقق ما فشل فيه المبعوث الأممي المستقيل عبدالله باتيلي الذي يكون في نوفمبر القادم قد مر عام على مبادرته بجمع الفرقاء الخمسة الكبار وهم رؤساء المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة وحكومة الوحدة وقائد الجيش، والتي يمكن وصفها بالمبادرة الساذجة لاستحالة تطبيقها على الأرض بسبب حدة الصراع بين تلك الأطراف، واختلافها على كل شيء، ما عدا ما يجمعها فعلًا وهو الرغبة في تعطيل الحل بما يطيل من أمد بقائها في الحكم واستفادتها من الامتيازات.
لا أحد من الليبيين يشك في أن خوري تمثل إرادة الدول الغربية، وأن الأمم المتحدة لم تعد قادرة على أن تكون جزءًا من حل المشكلة، وبالنسبة إلى ضرورة التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المضي قدمًا في المصالحة الوطنية، فإنه كان على خوري أن تفضح الأطراف التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، فالمصالحة مجرد شعار استخدمته الأطراف الليبية للاستحواذ على المال واستخدمه الغرب لإرضاء وإسكات الصوت الإفريقي، والمصالحة لا تحتاج إلى مؤتمرات وقوانين، بل لها اشتراطات وتتطلب إجراءات، كذلك لم تحدد الأطراف التي تقف وراء تأجيل انتخابات ديسمبر 2021، لأن بعض الشخصيات التي ترشحت للسباق الرئاسي لم تكن تروق لهذا الطرف الدولي أو ذاك، والغرب يريد انتخابات على مقاسه لتحقيق أهدافه.
ورغم أن خوري في إحاطتها حاولت تبديد التصور بأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يعملان فقط على إدارة الأزمة في ليبيا وليس معالجتها، وأكدت أنها تعتزم البناء على الإنجازات الإيجابية الأخيرة والدفع بالعملية السياسية الشاملة في الأسابيع المقبلة بهدف كسر الجمود السياسي ومعالجة أسباب الصراع طويلة الأمد والمضي قدمًا نحو الانتخابات الوطنية، لكن الليبيين لم يعودوا يصدقون هذه الوعود المزيفة من خلال تجربة طويلة ومريرة.


ردود أفعال حول إحاطة ستيفاني


رأى مندوب ليبيا الدائم لدى مجلس الأمن، الطاهر السني، أن الوضع لم يتغير منذ الإحاطة السابقة لستيفاني خوري، ولا يوجد تقدم محرز في الواقع الليبي.
وقال خلال كلمة له أمام مجلس الأمن إن الوضع العالمي بكل ما فيه يؤثر سلبا على الواقع السياسي في ليبي، داعيًا مجلس الأمن لدعم جهود الأمن والاستقرار في ليبيا.
وأضاف: لا بد من إغلاق الباب أمام كل من يحاول تعميق الانقسام في ليبيا، لأجل وحدة البلاد، ولا بد من البناء على ما تم من اتفاق بشأن المركزي، والاستفادة منه لمعالجة القضايا السياسية وعدم استغلال النفط كأداة للابتزاز، مشددًا على دعم مسارات الحوار الوطني للخروج من الأزمة، وضرورة قيام الانتخابات برقابة دولية.

وتعليقًا على إحاطة ستيفاني خوري أمام مجلس الأمن بشأن ليبيا، أكد عضو مجلس النواب صالح فحيمة عبر صفحته على الفيس بوك، أن خوري سلكت منهجًا قديمًا متجددًا، باعتمادها أسلوب السرد كسابقيها من المبعوثين، موضحًا أنها تجاوزت عمدًا ذكر جهود المؤسسات السياسية والمبادرات والتوافقات الأخيرة وأسباب إفشالها ومن كان خلفها.
ودعا فحيمة الليبيين إلى ممارسة ضغط أشمل وأعم على البعثة، للوصول إلى حل جذري قبل فوات الأوان، خصوصًا بعد الوقت الذي ضاع في انتظار حلول البعثة ورؤسائها المتعاقبين، وفق تعبيره.


ووصف المحلل السياسي عز الدين عقيل، إحاطة ستيفاني خوري المبعوثة الأممية بليبيا، أمام مجلس الأمن بالسخيفة والثرثرة والهرطقة الجوفاء.
وكتب عقيل قائلًا على حسابه بموقع “فيسبوك”: “لعلمي سلفًا بسخافة الحدث، وجدت اليوم فقط بعضًا من وقت الفراغ لأراجع إحاطة خوري، وتعليقات من معها بالكيان المسمى بمجلس الأمن الدولي الذي أضحى تافهًا وعاجزًا ووهميًّا”، وأضاف: “لم تزد إحاطة خوري والتعليقات عن رشقة من الثرثرة والهرطقات الجوفاء”.

زر الذهاب إلى الأعلى