مقالات الرأي

الحروب الحديثة 

بقلم/ علي المبروك أبو قرين 

يشهد العالم حروبًا جديدة تستخدم فيها التقنية والتكنولوجيا الحديثة التي تطورها مراكز الأبحاث والتجارب، وتبذل فيها جهودًا كبيرة وبأموال طائلة وكثيرة، لتصنيع وتطوير أدوات الحروب والدمار، وتتنافس قوى الشر على هذه الصناعات، ومن يملك أكثرها فتكًا وتدميرًا بالبشر والشجر والحجر، وكيف يسخرون أسلحتهم الأكثر فتكًا لتدمر الأرض وما عليها عن بعد باستخدام أدوات وتكنولوجيا الحروب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.

ويتفاخر أعداء الحياة والإنسانية والطبيعة بما يمتلكون من قوة تدميرية، تقدر تكاليف التسليح بآلاف التريليونات من العملات الصعبة، وحيث إن نسبة أقل من (1%) منها يقضي على الجهل والجوع والمرض التي تعاني منها البشرية في العالم، ويتباهى قوى الشر بأنهم لا خطوط حمراء أو زرقاء تمنعهم أو تحد من شرورهم، وأثبتوا للعالم أنهم يفتخرون بقتل الأبرياء وبتدمير المستشفيات على رؤوس المرضى والأطباء، وكل المقيمين والعاملين بها، يقتلون بدم بارد اللاجئين والنازحين في المدارس ودور الإيواء، ويلاحقونهم في العراء، ويدمرون متعمدين مصادر المياه ومخازن الغذاء والمخابز ومحطات الكهرباء، وينتشون فرحًا ورقصًا على قتلهم الأطفال والشيوخ والنساء.

إن الحروب الحديثة هي آلات حروب فتاكة تحركها قوى الشر ذوو العقول والشخوص التي تغولت في الإرهاب والإجرام، والحروب الحديثة سياسات اقتصادية ومالية ونقدية تفلس بالشعوب وتحولهم إلى مجتمعات استهلاكية لمنتجات قوى الشر المدمرة للصحة والأخلاق، وأنظمة صحية قاتلة تسلِّع المرض وتتاجر في الصحة وتغرق الأسواق بالأدوية والمستلزمات المغشوشة وبالمخدرات التي تذهب العقل والأرواح، والقوى التي تواجههم ليست جيوشًا تقليدية وأسلحة حربية في الخطوط الأمامية، وإنما يواجه هذه الحروب الفتاكة الجيوش البيضاء من أطباء وتمريض ومسعفين وفرق الإسعاف والإنقاذ والطوارئ، وبجانبهم ماكينات الإعلام التي توثق كل شيء وتفضح جرائمهم، مصاحبة للحدث بالصوت والصورة، حروب على الهواء تدك البيوت على رؤوس ساكنيها العزل الأبرياء، ويستهدف الطبيب المعالج والمسعف المنقذ والمريض والجريح والإعلامي، وتدمر المعدات الطبية وسيارات الإسعاف ومعدات الإعلام من كاميرات ولواقط الصوت، ويقتل الإعلاميين، وتبقى سترة النجاة ممزقة بطلقات المسيرات شاهدة عن بشاعة الأحداث وتوحش البشرية، وتبقى الصورة والفيديو دليلًا تتناقلها المحطات والقنوات التلفزيونية، ووسائل التواصل الإعلامية، ويزداد الشر شرًّا والبشاعة بشاعة ويموت المدنيون الأبرياء على مدار الساعة، وتدمر الطرق والكباري والمساجد والكنائس والمزارع والمقابر، ويحاصر الناس عن بعد ويموتون جوعًا ومرضًا وقصفًا عن بعد، ودمروا بلادنا عن بعد ودكوا البنية التحتية وقتلوا أبناءنا وهدموا بيوتنا على رؤوسنا، وهجَّروا شعبنا ولم تطأ أقدامهم القذرة الأرض، كل حربهم كانت عن بعد.

لقد فعلوا في غزة العزة ما هو أسوأ لعام متواصل تتلذذ نفوسهم المريضة في ممارسة القتل والتدمير والتهجير عن بعد، ولم يبقوا على شيء قائم إلا عزة الفلسطيني الغزي لأنه شجاع مقدام وعزيز، يقف على أرضه يدافع عنها بكبرياء وشهامة، ويولد فيها الحي من الميت، وجيل وراء جيل يحمل الراية وحفنة التراب والمفتاح، ولبنان كذلك هي الحرب نفسها على لبنان المقاوم، وبنفس الطريقة والأسلوب مع التطوير يدك الأعداء مساكن المدنيين الأبرياء في المدن والقرى وعلى الطرق تُقصف الركوبة السيارة سواء أكانت عربة أم دراجة، ولم يتركوا واديًا ولا جبلًا ولا سوقًا ولا ضيعة، وحرقوا عن بعد الغيطان ومخازن الغلال، وظل الطبيب والممرض والمسعف والمستشفى ورجل الدفاع المدني والإسعاف والإنقاذ والمراسل والمصور والإعلامي كل هؤلاء هم الجيوش الناعمة التي واجهت الأسلحة الفتاكة المدمرة، ولا تزال في مواقعها صامدة مع الإنسانية متضامنة، وتودع كل يوم شهداء منهم ومن ذويهم ومن أبرياء غيرهم، والعالم يشهد مدعي الحضارة والإنسانية هم صناع وملاك أسلحة الدمار الشامل، وهم مستعملوه بقوة ضد الإنسانية متَحدِّين القوانين الدولية الإنسانية ولا رادع لهم.

الحروب الحديثة بين الشر والغطرسة والظلم والعدوان والجبروت بأدوات تدميرية حديثة تفتك عن بعد، وسياسات مدمرة تفرضها منظماتهم على الدول والشعوب، وبين شجاعة وصبر وعطاء إنساني غير مسبوق من القطاع الصحي وجميع العاملين به وسلاحهم الدواء والمشرط، والدفاع المدني وأجهزة الإسعاف والطوارئ والإنقاذ وسلاحهم النقالات والمعول، وكتائب الإعلام والصحافة وأسلحتهم الكاميرا والميكرفون والقلم، والخوذة والسترة والصورة.

من ليس له القدرة على تملك أسلحة وأدوات الحروب الحديثة فعليه أن يعزز دفاعاته الصحية والإعلامية ويقويها، وأن يهتم بالتعليم والإنتاج ويعتمد على سياسات اقتصادية واجتماعية تبني الشعوب بالعلم والمعرفة والثقافة والفكر، والخير على الشر بإذن الله منتصر، ونصر الله أمتنا العربية والإسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى