مقالات الرأي

وسائل التحصين ضد أدوات التضليل

بقلم/ محمد جبريل العرفي

اشتدت ممارسات التضليل لحشد الرأي العام خلف الأفكار والمشاريع، وذلك بعد أن أصبحت الشعوب المتقدمة تصنع حكامها. 

التحصين ضد التضليل، يبدأ بتحديد شركائك وحلفائك، ومعرفة مشروع عدوك وحلفائه، نحن الآن (فسطاطان) أو مذهبان، فإما مع المقاومة وتحرير المقدسات أو مع المشروع الصهيوني والتطبيع.

المشروع الصهيوني شاهدناه مرسومًا على قيافات جنودهم، ويتحدث عنه ساستهم، بالتوسع على حساب العرب والمسلمين ليشمل الحرمين الشريفين وصولًا إلى النيل، وتهويد شمال إفريقيا، واستهداف الدين الإسلامي بالإبراهيمية، وهيمنة اقتصادية؛ بطريق الهند حيفا، وشق قناة بن جوريون كمنافس للسويس، ونهب غاز غزة، هذا ليس مستحيلًا، (بيجن) دخل فلسطين بتأشيرة عامل نظافة ثم أصبح رئيسًا لحكومة الكيان، الكيان يمارس (القضم والهضم) النتن في كتابه (مكان تحت الشمس) قال: الأردن انتزعت من أرض إسرائيل، معتنقًا لأفكار “جابوتنسكي” بقيام إسرائيل على ضفتي الأردن، التعطيش إحدى الوسائل، الشعب الأردني يعارض التطبيع، فمجلس النواب قرر طرد السفير الصهيوني، لكن الحكومة رفضت طرده، وتفتخر باعتراضها الصواريخ المتجهة للعدو.

المتصهينون يروجون بأن المقاومة مشروع شيعي، بينما المقاومة متشكلة من سنة وشيعة ومسيحيين ودروز وزيديين، ويدعمهم الروس “الأرثوذوكس” والصينيون البوذيون، وباغتيال نصر الله يتوقع الصهاينة نهاية حزب الله، مثلما ظنوا عندما اغتالوا الشهيد موسوي 1992، فظهر نصر الله، جعلهم يترحمون على موسوي، فصفي الدين سيجعلهم يترحمون على نصر الله، وباتفاقية أوسلو التي صنعت سلطة عميلة للصهاينة، ظنوا أن قضية فلسطين انتهت، فظهرت حماس، اغتالوا أحمد ياسين 2004 فظهر لهم يحيي السنوار فجعلهم يترحمون على أيام ياسين، ثم نسف طوفان الأقصى التطبيع والإبراهيمية، وبعد نكسة 67 وتسميم عبدالناصر، وإسطبل داوود، وتنصيب الإخوان، ظنوا أن مصر طبَّعت وخرجت من المعركة، فظهر السيسي وثورة يونيو الفريدة، الصهاينة يتوهمون بأن الكبار سيموتون والصغار سينسون، هيهات! فالعداء العربي الصهيوني فكرة قومية دينية، والفكرة لا تموت.

بعض العرب المتصهينين فرحوا مع الصهاينة باستشهاد نصر الله، (المسلم) الذي اغتاله اليهود (الكفار)، ألم يتدبر هؤلاء أنه عندما فرح المشركون بانتصار الفرس المجوس بقيادة سابور 614، وحزن المسلمون بهزيمة الروم الكتابية، أنزل الله في سورة الروم: “الٓمٓ، غُلِبَتِ ٱلرُّومُ، فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ، فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ، لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ” وفعلا هُزموا في معركة نينوى 627 وفرح المسلمون بالانتصار في حرب امتدت من 610 إلى 628، وفي سورة المائدة أمرنا جل جلاله “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ” هذا أظنه يستوجب على من فرح مع الصهاينة أن يجدد عقيدته.

من أدوات التضليل أن الشيعة يسبون أمهات المؤمنين والصحابة، بينما الخميني أصدر فتوى بتحريم ذلك، فلا يقوى شيعي على مخالفتها، والقنوات الرسمية مثل العالم والميادين والمنار وبريس وغيرها ملتزمة بذلك، بينما من يسب الصحابة قنوات ممولة ومقيمة في بريطانيا للفتنة بين المسلمين، والإعلام المتصهين ينسج قصصًا خيالية حول اغتيال نصر الله، بهدف ترميم هيبة المخابرات الصهيونية التي تحطمت بفعل المقاومة، ويتكتمون على إثر ضربات إيران للكيان.

وسيلة التحصين الأخرى تجنب غسيل الدماغ، بتحكيم العقل وإبعاد العاطفة، وبالتشكيك وتتفيه سردية العدو (فكلام عدوك لا يربيك)، والحذر من أبواق الدفع المسبق، بفرز صدقية وثبات كتاب الرأي وانتماءاتهم، والحذر من التزييف والفبركة، وتقوية الثقة في منظومة القيادة والقناعة بتكتيكاتها واستراتيجياتها، وألا نجعل العلاقة تحكمها المصلحة الشخصية، أو ردات الأفعال، ففي سبيل الهدف المشترك تُقدم التضحيات، ومن أساليب التضليل الزج بالدين في الخلافات السياسية.

الطائفية شوهت الإسلام الطاهر بتقسيمه إلى دينين شيعي وسني، والخطر أصبح يداهم السنة بطوائف تكفر وتفسق وتبدع بعضها البعض، “الأنجلوساكسون” صنعوا الإخوان والقاعدة وبناتها (داعش والمقاتلة وأنصار الشريعة والنصرة.. وغيرها) باعترافهم أنفسهم كصيغة إرهابية خشنة، الآن ظهرت صيغة ناعمة تؤدي نفس الوظيفة بالفتنة بين المسلمين ولدعم الصهاينة والمتصهينين ومحاربة المقاومين، ونحن كمالكيين وسطيين، (رغم عدم إيماننا بالمذاهب لكونها جاءت بالإسلام العباسي، بالقرنين الثاني والثالث الهجري)، لا نختلف مع الشيعة إلا في (من أحق بالخلافة)، وهذه قضية تاريخية لا جدوى من الاختلاف حولها، والثانية الاختلاف على كلمة في خطبة الوداع (سنتي أو عترتي) فلنعتبره مذهبًا إسلاميًّا سادسًا، فالشيعة مسلمون موحدون، قليل من يدرك أن إيران محكومة من العرب، فالعمامة السوداء شعار انتماء إلى الهاشميين القرشيين العرب. 

الكيان إلى زوال لأنه يواجه لأول مرة الحرب على سبع جبهات عربية، ويقع في أتون المعركة بين الشرق والغرب، حول الغاز والمياه الدافئة، وإرهاصات الانهيار الأمريكي، وإيران بتحالفها مع روسيا والصين أصبحت (إسرائيل) الشرق، فالعقود القادمة ستشهد تغييرات بتعددية قطبية، ومن لا يحمه شعبه فلن تحميه أمريكا، الأنظمة (الأوليغارشية) العربية إن استمرت في التطبيع مع عدو الأمة، ولم تساند المقاومة، ومن يغلِّب بطنه على وطنه، فلن تنفعه قصوره ويخوته وأرصدته من لعنة التاريخ، فإن لم نواجه قطار الموت فسيسحقنا جميعًا، تحقيقًا لقوله تعالى في سورة محمد: “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم”، ولنهتدي بقول نبينا: “أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر” فتغيير المنكر أمر إلهي.

زر الذهاب إلى الأعلى