ملفات وتقارير

“7 أكتوبر” يوم وطني أعيدت فيه الأملاك المغتصبة من المستوطنين الطليان إلى الشعب الليبي

شهد يوم السابع من أكتوبر 1970 اقتلاع بقايا الطليان الفاشيست من الأراضي الليبية، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت ليبيا خالية من الوجود الاستيطاني الأجنبي، وصار هذا اليوم يعرف باسم (عيد الثأر)، يتذكر فيه الليبيون الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الإيطالي ضد آبائهم وأجدادهم، والبطولات التي خاضها المجاهدون ضد هذا الاستعمار الاستيطاني البغيض.


ورغم مرور 113 سنة كاملة على العدوان الفاشيستي الإيطالي على ليبيا فإن الليبيين لم ينسوا معاناتهم جراء هذا الغزو الغاشم الذي قتّل الناس وصادر ممتلكاتهم ونفى زعماءهم وأبعد أهاليهم إلى منافي الموت بالجزر الإيطالية المقفرة والموحشة دون شفقة أو رحمة.
إن الليبيين لا يذكرون من إيطاليا إلا المآسي والموت والدمار على مدى عقود من الزمن، خاضوا خلالهما 571 معركة دامية ضد جحافلها في كل ربوع ليبيا.
استخدمت إيطاليا منذ اليوم الأول لغزوها الأراضي الليبية في أكتوبر المشؤوم من العام 1911 سياسة العقاب الجماعي للسكان وتهجيرهم عن أراضيهم لاغتصابها وتسليمها لمستوطنيهم، فحاصرت مناطق ومدنًا بأكملها عقب اشتداد المقاومة الليبية ضدها، فقتلت أسرًا بأطفالها واعتقلت آلافًا آخرين بتهمة مقاومة سلطات الاحتلال، فاعتقلت عقب معارك الشط والهاني أكثر من 5000 ليبي معروفين بأسمائهم وألقابهم وقبائلهم وقراهم ومدنهم ونفتهم إلى جزر” أوستيكا” و”ترامتي” في أكبر عملية نفي جماعي تشهدها البشرية منذ عصور التاريخ الأولى، ولم يكتف الإيطاليون بنفي أبناء ليبيا، بل تبعوها بإطلاق أيدي جنرالات الحرب الفاشيست الطليان بإقامة عشرات المعتقلات في المدن الليبية أشهرها معتقلي العقيلة وعين غزالة.
وقد كشفت مصادر المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية أنه ونتيجة استبيانات ميدانية أجراها المركز على أكثر من 100 ألف عائلة ليبية تبين أن سلطات الاحتلال الإيطالية قد استغلت أكثر من 3000 ليبي في أعمال شق الطرق وتمهيد الأرض للزراعة بالسخرة.
وأوضحت المصادر أن عدد المنفيين والمفقودين قد بلغ 10 آلاف مواطن ليبي لا يُعرف عنهم أي شيء حتى الآن، ولم تبذل سلطات الاحتلال حينها أي جهد في الكشف عن مصيرهم.. ولا الحكومات الإيطالية المتعاقبة حاولت تتبع أحوالهم أو الإجابة عن تساؤلات السلطات الليبية أو أهاليهم عن مصيرهم المجهول، وبينت نتائج دراسة مركز الجهاد عن الأضرار التي لحقت بالشعب الليبي جراء الاستعمار الإيطالي، حيث بلغ عدد الشهداء ما يجاوز 750 ألف شهيد، وفي الأيام والشهور الأولى بلغ عدد الشهداء 33.181 شهيدًا، بينهم 2530 شهيدًا من طرابلس الكبرى، فيما بلغ عدد شهداء الجبل الأخضر 2773 شهيدًا، وبلغ عدد شهداء درنة 1447، وبنغازي 1635 شهيدًا، وفي المنطقة الوسطى 1034 شهيدًا، والجبل الغربي 1043 شهيدًا، فيما بلغ عدد الشهداء في زوارة وصبراتة والعجيلات والزاوية والجميل 1006 شهداء، والخمس وزليطن ومسلاتة 958 شهيدًا، وسرت 890 شهيدًا، وبقية عدد الشهداء موزعون على عديد المدن والمناطق والقرى الليبية، بلغ إجمالي المتضررين من الغزو الإيطالي 199.269 متضررًا، موزعون على غالبية المدن والمناطق الليبية، أكثرهم تضررًا حسب دراسة لجنة التعويضات عن أضرار الاستعمار الإيطالي كان بالجبل الغربي حيث بلغ 13.424 متضررًا، وبالجبل الأخضر 13402 متضرر، تليها غرب طرابلس 6239 متضررًا، ثم مصراتة وزليطن والخمس 4927 متضررًا، ومرزق 1357 متضررًا.
وبلغ عدد الليبيين الذين أجبرتهم إيطاليا على القتال في صفوف عسكرها في إريتريا والحبشة والصومال 25.738 مواطنًا ليبيًّا جندتهم وزجت بالكثيرين منهم في أتون الحرب العالمية الثانية ضد قوات الحلفاء دون أن يكون لهم فيها ناقة ولا جمل، يقاتلون نيابة عن روما، ولم تعوض عائلات القتلى منهم ولا المصابين بشيء.


أما عن المعتقلين الليبيين فقد بلغ عددهم 37.763 مواطنًا، كان أغلبهم من الجبل الأخضر 2326 معتقلًا، ومن الجبل الغربي 1442 معتقلًا، فيما توزعت بقيتهم على مناطق ليبية أخرى، ولقي غالبية هؤلاء المعتقلين حتفهم داخل تلك المعتقلات الجماعية المحاطة بالأسلاك الشائكة والألغام، فمن لم يمت بالجوع والبرد حصدته حقول الألغام المزروعة حول تلك المعتقلات التي ما زالت تحصد أرواح الليبيين حتى يومنا هذا أثناء رعي قطعانهم أو حراثة أرضهم دون أن تساهم الحكومات الإيطالية المتعاقبة في تسهيل التخلص من خطر تلك الألغام وتسليم خرائط حقولها كي يتم تفكيكها وإزالة خطرها.
لم تكتف سلطات الاحتلال الإيطالي بالنفي والاعتقال، بل لجأت أيضا إلى سياسة التهجير بهدف اغتصاب الأرض لتسليمها للمستوطنين الطليان حيث هجر عشرات الآلاف من السكان عن مناطقهم إلى مدن ودول أخرى أهمها: تونس، الجزائر، مصر، وتشاد، متبعين سياسة إحلال المستعمرين الجدد القادمين من إيطاليا بدلًا عنهم، وترسيخ سياسة الاستيطان والتوطين للوافدين الطليان، فيما عانى الليبيون المهجرون التشرد والجوع والحرمان.
كما عانى آلاف الليبيين جراء سياسة إيطاليا في بلادهم من العاهات المستديمة والتشوهات المختلفة كبتر الأطراف نتيجة انفجار الألغام وتشوهات بدنية مختلفة، حيث أصيب 14.916 ليبيًّا بعاهات وتشوهات حالت دون قيامهم بواجباتهم تجاه أسرهم وذويهم أو ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
مثلما انتقم الغزاة الطليان من الإنسان الليبي لم تسلم الأنعام التي كانت تشكل ثروة الليبيين من أعمالهم الانتقامية، فقد قتلوا ونهبوا أكثر من 30.231 من الإبل من أصحابها، جلها من منطقة طرابلس 2955 من الأنعام، وترهونة 2299، ومنطقة أوباري 1605، واجدابيا 1151.
لقد أصاب الطليان كل مناحي الحياة الليبية حتى المعنوية منها بالشلل التام كما المادية، فأحدثوا أضرارًا بالجوانب الثقافية والحضارية في 740 عنوانًا ثقافيًّا وتركوا أكبر أثر مدمر في غدامس التي أصابها الاحتلال بالشلل التام، وأصيب في 326 عنوانًا ثقافيًّا ومركزًا حضاريًّا، تلتها طرابلس والزاوية وسوف الجين.
وكما أصيبت المراكز الحضارية والثقافية نتيجة الغزو الإيطالي نجد أن البيئة هي الأخرى تضررت بشكل مباشر، حيث سجل الخبراء 463 إصابة بالغة من حيث التلوث واستعمال قوات الغزو أسلحة تحتوي مواد كيماوية وربما وصلت في أحيان كثيرة إلى استعمال أسلحة محرمة دوليًّا كالغازات السامة والمواد الكيماوية التي أضرت بالناس والتربة والمحاصيل الزراعية خاصة في طرابلس وأوباري والجبل الأخضر.
كما تسبب الاستعمار الإيطالي البغيض في توقف غالبية المرافق العامة بليبيا وأحدث بها أضرارًا بليغة شلت حركتها وقدرتها على أداء وظيفتها، وصلت إلى 239 إصابة خاصة في أوباري وطرابلس وبقية المدن الليبية.
يفند هذا التقرير مزاعم الغزو الإيطالي الفاشيستي لليبيا التي كان يصدِّرها الإعلام الفاشي ومعه أبواقه في الداخل الذين يتباكون على “بالبو” و”غراتسياني”، بل ويكشف أغراضه التي تجلت في تنفيذ مشروع شاطئ روما الرابع لتنهض إيطاليا وتدمر الحياة المدنية في ليبيا، وقد استعملوا سياسة الأرض المحروقة ضد أهلنا في غالبية المدن والقرى الليبية.
كما امتدت يد التخريب الإيطالي إلى ممتلكات الليبيين، فجرفوا الأرض واستولوا على ممتلكات المواطنين وصادروا ما مجموعه عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، حيث كانت منطقة طرابلس الأكثر تضررًا، إذ استولوا فيها على 2889 هكتارًا، تليها درنة 1613 هكتارًا، والجبل الأخضر 1562 هكتارًا، ثم منطقة الزاوية بـ 1554 هكتارًا، وطبرق 1003 هكتارات، ناهيك عن غالبية الشريط الساحلي من صبراتة غربًا حتى مصراتة شرقًا، خاصة بعد إعدام شيخ الشهداء عمر المختار في بداية الثلاثينيات، حيث استولوا على أراضي الليبيين عنوة وحولوها إلى مزارع للمستوطنين الطليان وسموها بأسماء إيطالية، وانتقل آلاف الطليان إلى ليبيا واستوطنوا المناطق الساحلية خلال الحقبة الفاشية، وفي عام 1940 بلغ عدد المستوطنين الإيطاليين في ليبيا ما يزيد على 110.570 مستوطنًا فاشيًّا أي 12٪ من مجموع سكان ليبيا البالغ عددهم حينذاك 915.440 نسمة، وكان حاكم ليبيا الإيطالي بالبو قد جلب عام 1938م 20 ألف إيطالي إلى ليبيا، وأنشأ لهم مستوطنات جديدة في البيضاء والمنصورة والعزيزية وغيرها.. وسلبوا 26 قرية زراعية غالبيتها في الشرق الليبي.
وكان الحاكم الإيطالي “ايتالو بالبو” يسعى جاهدًا إلى تعويض السنوات التي قضاها أسلافه في إخماد نار المقاومة الليبية عبر تسريع الخطى نحو إقامة المشروع الاستيطاني الإيطالي في ليبيا والذي بدأه بجلب 20 ألف مزارع إيطالي إلى ليبيا على متن 17 باخرة دفعة واحدة بهدف تحويلها إلى شاطئ رابع حقيقي، وسلم لهم مزارع نموذجية كان قد اغتصبها من ملاكها الليبيين مع مرتبات مجزية، واضعًا خططًا استعمارية لسيطرة المعمرين الطليان على مناح الاقتصاد الليبي وجعله في خدمة الاقتصاد الإيطالي، على أن تعقبهم موجات استعمارية متتالية أخرى حتى سنة 1950 ليصبح عددهم نصف مليون مستوطن طلياني ليشكلوا غالبية سكان ليبيا ويتحول الليبيون عندها إلى أقلية ويتحقق الحلم الفاشي.


وعلى الرغم من مقتل بالبو في حادث طائرة عام 1939م إلا أن مشروعه الاستعماري ظل قائمًا، وحتى بعد خسارة إيطاليا للحرب العالمية الثانية مع ألمانيا وحصول ليبيا على استقلال أممي عام 1951م، فقد بقي المستوطنون الطليان يتحكمون في اقتصاد البلاد ويملكون المزارع التي يصدرون إنتاجها لروما كما يملكون المحلات التجارية والحانات والورش والمصانع الكبرى ووكالات السفر والبنوك وكأن شيئًا لم يتغير سوى موت بالبو.
الموضوع المهم أن الإيطاليين صادروا الأراضي الصالحة للزراعة واستقدموا آلاف المستوطنين لتملكها وتشغيل الليبيين بها بالسخرة.. كذلك أمموا كل الورش والصناعة البدائية ومُلِّكت للطليان.
وبعد سنوات من المعاناة والاضطهاد والتعسف والتخلف والجهل، جاءت ثورة الفاتح من سبتمبر سنة 1969، التي كان أول اهتماماتها، تحرير الوطن من القوات والقواعد الأجنبية، فبعد إجلاء القواعد الإنجليزية في 28 مارس، والأمريكية في 11 يونيو من عام 1970، تم في السابع من أكتوبر من ذات العام، طرد جحافل المستوطنين الطليان عن أرض بلادنا الحبيبة، يوم اعتبره الليبيون عيدًا وطنيًّا يحتفلون به كل عام، ثأرًا للآباء والأجداد الذين استشهدوا في معارك الجهاد، وثأرًا لكل من اعتقل، أو عذب، أو أعدم، أو اغتصبت أرضه، ولكل المنفيين، وسيبقى السابع من أكتوبر من كل عام عيدًا وطنيًّا وحدثًا لن ينساه الشرفاء من أبناء ليبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى