مقالات الرأي

شراكة الفوضى

بقلم/ حسام حمودة

في ظل التعقيدات التي تعيشها ليبيا اليوم، تمثل الأوضاع الاقتصادية جزءًا من صورة أوسع تعكس تداخل عوامل داخلية وخارجية، لقد لعبت التدخلات الخارجية، وعلى رأسها القوى الغربية، دورًا رئيسيًّا في تأجيج الأزمات وتعميق الفوضى بدلًا من المساهمة في حلها.

يعد عبد الحميد الدبيبة مثالًا حيًّا على كيفية استغلال الغرب لشخصيات معينة لتحقيق مصالحه، بينما يدفع الليبيون الثمن الأكبر لتلك السياسات، فالقوى الغربية التي طالما تدخلت في الشؤون الليبية بشكل مباشر أو غير مباشر، كانت السبب الأساسي في تأجيج الصراع والفوضى، لقد دعمت تلك القوى أطرافًا معينة على حساب أخرى، وزرعت بذور الفتنة والانقسامات بين الليبيين، هذا الدعم كان دائمًا مشروطًا بخدمة أجندات تلك الدول، سواء كان ذلك من خلال تأمين تدفق النفط أو الحفاظ على نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة.

نتيجةً لذلك، شهدت البلاد تدمير البنية التحتية، وانهيار الاقتصاد، وتشريد آلاف المواطنين، مما جعل ليبيا ميدانًا للفوضى والنزاعات المستمرة، لقد تدهورت الأوضاع المعيشية بشكل كبير، حيث ارتفعت معدلات البطالة، وازدادت أسعار السلع الأساسية، مما جعل الحياة اليومية للمواطنين أكثر صعوبة، وفي هذا السياق، لعبت القوات المسلحة الدور الرئيس في تحقيق الاستقرار والأمان في ليبيا، فقد استطاعت أن تفرض النظام في مختلف المناطق الشرقية والجنوبية، من خلال جهودها المستمرة، وساهمت أيضًا في إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية المتضررة، مما أدى إلى استقرار نسبي في البلاد، وساعدت في تعزيز الأمن والنظام، مما جعل من الممكن جذب الاستثمارات الداخلية وتشجيع النشاط الاقتصادي في عدة مناطق، فعلى الرغم من التحديات، شهدت العديد من المدن تحسنًا ملحوظًا في الأوضاع المعيشية، وبدأت مشاريع إعادة الإعمار تعود بالفائدة على السكان المحليين.

إن فاعلية القوات المسلحة في تعزيز الأمن وإرساء قواعد النظام هي ما جعلت هذه الإنجازات ممكنة، حيث أظهرت التزامًا حقيقيًّا بمسؤولياتها الوطنية، مما جعلها عاملًا أساسيًّا في مسيرة الاستقرار والنمو في ليبيا، في المقابل، تواصل حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، التي جاءت بدعم خارجي، التشبث بالسلطة عبر تقديم الولاء والطاعة للقوى الغربية، ودفع الأموال للميليشيات المسلحة لضمان بقائها. هذه الحكومة لم تنجح في تحقيق الاستقرار أو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، بل أصبحت عائقًا أمام أي محاولات جادة للإصلاح.

الميزانيات التي كان يجب أن توجه لإعادة الإعمار وتحسين الحياة المعيشية، تذهب إلى شراء الولاءات ودفع رواتب الميليشيات التي تزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في الغرب الليبي، وبالتالي، يتواصل استنزاف الموارد الحيوية للبلاد، مما يزيد من معاناة المواطنين ويعمق الأزمات الاقتصادية، ومن الواضح أن استمرار الدبيبة في السلطة يرتبط بشكل وثيق برغبة القوى الغربية في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، فالدبيبة لم يسعَ إلى توحيد البلاد أو تحقيق الاستقرار بقدر ما سعى إلى إرضاء داعميه الخارجيين، الذين يرون في ليبيا مجرد ساحة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية والاقتصادية.

إن الوضع في ليبيا يعكس، إلى حد كبير، تأثير التدخلات الخارجية التي أضرت بالبلاد وأجهضت أي فرص حقيقية للتنمية المستدامة، وبينما نجحت القوات المسلحة الليبية في شرق البلاد في فرض النظام وتحقيق بعض الاستقرار، فإن حكومة الدبيبة في طرابلس تظل عالقة في شبكة من التحالفات الخارجية والولاءات المشبوهة، مما يحرم الشعب الليبي من الاستفادة من ثرواته وإمكاناته لتحقيق مستقبل أفضل، وفي الختام، يجب على الليبيين أن يتحدوا من أجل بناء دولة قوية ومستقرة، تتجاوز الانقسامات والأزمات، وتعتمد على قوتهم الذاتية وإرادتهم الحقيقية لتحقيق التنمية والازدهار.

زر الذهاب إلى الأعلى