رومانو برودي.. المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا!!
بقلم/ عثمان الدعيكي
وفقًا لميثاق إنشاء الهيئة العامة للأمم المتحدة، فمن المفترض أن تكون عاملًا مساعدًا لحل النزاعات في دول العالم، إلا أنها أصبحت خلال العقود الأخيرة أداة في يد أمريكا وحلفائها لفرض الهيمنة الأمريكية على شعوب العالم من خلال الهيئات التنفيذية للأمم المتحدة، وفي مقدمتها مجلس الأمن، الذي تسيطر عليه الدول دائمة العضوية فيه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، واستغلالها حق النقض (الفيتو) لإجهاض القرارات التي تخالف توجهاتها في النفوذ والسيطرة على العالم.
وبالعودة إلى تاريخ مجلس الأمن مع قضايا الشرق الأوسط فكل قراراته تصب في مصلحة أمريكا وحلفائها، وبالأخص الكيان الصهيوني المحتل، بل إن جُل قراراته حتى في القضايا البينية للدول العربية تصب في إطار إضعاف الأمة وسلب مقدراتها وتخريب بُناها العسكرية والاقتصادية وإسكات الصوت المقاوم فيها وضمان ارتهانها للقرار الأمريكي، وأصدق الأدلة على ذلك قرارات مجلس الأمن بشأن العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي لم يثبت وجودها حتى بعد تدمير العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فجعلت منه دولة ضعيفة وفاشلة بجميع المقاييس ومعرضة للتقسيم في أي لحظة، ناهيك عن قرارات مجلس الأمن خلال الأزمة التي عصفت بكثير من البلدان العربية فيما سُمي -بُهتانًا- بالربيع العربي الذي جاءت قراراته لفرض الفقر والتخريب على البلدان المستهدفة، ومن أهمها سوريا وليبيا، بل ومضى قُدمًا بشرعنة التدخل العسكري في هاتين الدولتين، فَعمِل فيها تقتيلًا وتدميرًا وتخريبًا، حتى وصل الحال فيهما إلى ما نراه اليوم من فقر وفشل وفساد وانقسام، وربما تقسيم في المستقبل، لا قدَّر الله.
وللعب دور المنقذ والحريص على مصلحة الدول المدمرة بفعل تدخلاتها استحدثت الأمم المتحدة وظيفة المبعوث الخاص في هذه الدول المنكوبة، ليكون مُنسقًا لعملياتها التفاوضية ومُنفِّذًا لقراراتها وضامنًا لخطط الاستقرار التي تنتهجها، وللأسف فإن انتقاء من يتم اختيارهم لهذه الوظيفة يتم داخل الغرف المظلمة في دوائر اتخاذ القرار بأمريكا والدول الغربية، حتى تضمن إطالة أمد الفوضى واستمرار حالة اللااستقرار، وبالتالي إدارة الأزمة بتعليمات هذه الحكومات وإجهاض أي خطط محلية للمعالجة، وإسكات الأصوات الوطنية بالإقصاء والتهميش، ولنا في جميع مبعوثي الأمم المتحدة لليبيا أصدق دليل على ما ذُكر، من “عبدالإله الخطيب” وحتى “عبدالله باتيلي” مرورًا بـ”طارق متري” و”برناردينو ليون” و”مارتن كوبلر” و”غسان سلامة”، فَجُلهم شخصيات مغمورة في الشأن الليبي وغير ضليعة بمتاهاته وردهاته، فضلًا عن أنها مرتبطة بالدوائر الأمريكية وتأخذ تعليماتها من خلالها، فهي من ساهمت في زيادة التشظي والفوضى، وكان لها أدوار أساسية في تلميع صور العديد من مجرمي الحرب، وصنعت منهم شخصيات سياسية تحكم الليبيين بالسيف والنار.
هذا لأن الأمم المتحدة لا تريد الاستقرار لليبيا مثلما لم ترِده في العراق وسوريا واليمن، فلو أرادت ذلك ففي العالم من الشخصيات السياسية التي تستطيع أن تقدم الشيء الكثير، وتعي جيدًا تركيبة المجتمع الليبي وتشعباته، وتدرك الأمور التي تساهم في إزالة الاحتقان وإنهاء مرحلة التشظي والخلافات، وبدء مرحلة جديدة أساسها إعادة بناء ليبيا كأولوية، وذلك بتوظيف خبراتها في التعامل مع ليبيا دولة وشعبًا خلال مراحل متعددة ومختلفة.
ويستحضرني من هذه الشخصيات المحترمة والتي يشهد الليبيون على خبرتها في الشأن الدولي بشكل عام والليبي على وجه الخصوص، السياسي الإيطالي ورئيس الحكومة الإيطالية الأسبق ورئيس المفوضية الأوروبية الأسبق السيد “رومانو برودي” الذي يشهد العالم بالمصداقية والحنكة وتنوع علاقاته على مستوى العالم، فقد عمل على توطيد العلاقة بين الشعبين الليبي والإيطالي طيلة فترتي رئاسته للحكومة الإيطالية خلال (1996-1999) و(2006-2008)، كما ساهم في تقريب وجهات النظر، وانفتاح ليبيا على الاتحاد الأوربي خلال فترة رئاسته للمفوضية الأوروبية في الفترة بين (1999-2004).
“رومانو برودي” شخصية سياسية فذة، ويعتبره السواد الأعظم من الليبيين صديقًا ومدافعًا عن حقوقهم في جميع المحافل الدولية منذ عقود، قد يكون أقدر من يعالج الأزمة في ليبيا في حال صدقت نوايا الأمم المتحدة في بحثها عن استقرار حقيقي لهذه البلاد، وإيقاف المهازل التي ينتهجها المسوخ التي تُرسِل بهم كمبعوثين لها بين دورة وأخرى.. فهل تصدق النوايا ويأتي رومانو برودي أو أي شخصية تحمل مزاياه ليعمل على إدارة الحل.. لا إدارة الأزمة؟