مقالات الرأي

الوجع الكبير (أمةٌ غائبة مغيبة)

بقلم/ محمد عبدالقادر

لبنان جزء أصيل من المخطط الصهيوني الغربي لأسباب استراتيجية واقتصادية ولتدعيم أسطورة إسرائيل الكبرى.
في مذكرات “موشيه شاريت” الذي تولى حقيبة الخارجية في الكيان الصهيوني لأول حكومة برئاسة “دافيد بن غوريون” ثم تولى بدلًا عنه رئاسة الحكومة الإسرائيلية المغتصبة عندما اعتكف بن غوريون في النقب نتيجة اختلافه مع قادة صهاينة آخرين في علاج بعض القضايا المصيرية حسب تعبير بن غوريون والاختلاف كان أساسه تكتيكيًّا وليس استراتيجيًّا.

يقول “موشي شاريت” في مذكراته تلك ما يلي: “عقد اجتماع عشية اغتيال أديب الشيشكلي رئيس سوريا بتاريخ 27 فبراير 1954 حضره دايفيد بن غوريون ورئيس مجلس الوزراء “موشيه شاريت” وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع “بنحاس لافون”، و”موشيه دايان” رئيس فرع العمليات في الجيش، وجرى الحديث عن مخططات الكيان الصهيوني للهجوم على مصر وسوريا. وفي نفس الاجتماع عرض اقتراح عملي يقضي بافتعال اضطرابات وإحداث حالة من الفوضى في لبنان البلد المجاور والأكثر استقرارًا وأمنًا في ذلك الوقت.

كانت العين الصهيونية ترصد الأوضاع في لبنان مبكرًا قبل حتى إعلان الكيان في 15 مايو 1948م لأن بقاء لبنان بلدًا مستقرًا وآمنًا سيساهم في تهديد الكيان الصغير الجديد، ووفق الاستراتيجية الصهيونية المعلنة وجوانبها المخفية تستهدف دول الطوق بعد أن ترسخ قدمهم في فلسطين، ولبنان أحدُها، ولكنهم ينظرون إليه على أنه الحلقة الأضعف لصغر حجمه المساحي والسكاني ولوجود أقليات متعددة وطوائف ربما توفر ظروفًا أفضل لاستهدافه وللتوسع شمالًا حيث منابع الماء التي تستهدف الصهيونية السيطرة عليها، ولذلك كانت خريطة الكيان المجنون نجمة بين خطين أزرقين هما نهري النيل والفرات وكذلك إضعاف أي قوة بحرية عسكرية في شمال وشرق المتوسط لامتلاك لبنان شاطئًا طويلًا إلى حد ما.

لكل ما تقدم كان ولا يزال لبنان الوطن المستهدف بعد فلسطين للمخططات الصهيونية التي عملت على إضعاف لبنان حتى قال بن غوريون: “أنا أعرف أن لبنان ستكون الدولة الثانية التي ستوقع على التطبيع معنا واتفاقية سلام، لكني ما زلت أجهل من ستكون الدولة العربية الأولى”، لم يكن في خلد بن غوريون ولا في أشد أحلامه استحالة أن تكون البلد الأقوى التي قال عنها الإرهابي “شاريت” في مذكراته التي أشرت إليها آنفًا” لكن مصر أكثر الدول العربية تماسكًا واستقرارًا، خاصة وأن الأغلبية هناك تتشكل من مجموعة دينية واحدة، ذات تراث واحد، فيما لا تؤثر الأقلية القبطية بشكل جدي في الوحدة السياسية والوطنية للدولة”، هي الدولة العربية الأولى التي ستوقع اتفاقية ما سمي بالسلام المشروط ومحاولة التطبيع التي أجهضها الشعب المصري العظيم الذي كان على مراحل التاريخ وفي أقتمها يمثل دور الحاضن الأكبر للمواجهة بين الأمة وبين أعدائها رغم كل مشاريع التحييد والإضعاف لمصر الحبيبة والتفتيت على مر التاريخ، لكن أتى السادات ليفكك كل جسور المواجهة وليسلم حصون مصر وقلاعها الصامد ويرهنها لأمريكا وبالنتيجة للصهيونية في خطوة أدهشت كيسنجر وحيرته، وتجدون ذلك مبثوثًا في مذكراته وكذلك مذكرات الرئيس كارتر حينما قال: “لقد أعطاني السادات ما لم أجرؤ على طلبه لاستحالته في نظري حتى تلك الساعة”، لدرجة أن ثلاثة وزراء مصريين قدموا استقالاتهم على غير العادة في تاريخ الحياة السياسية المصرية والعربية التي عرفًا فيها الوزير يقال ولا يستقيل لأنهم وجدوا أن السادات ذهب بعيدًا وبعيدًا جدًّا فيما لا تحتمله الأمور ولا المصالح المصرية الأمنية والاستراتيجية بجرة قلم حبر جعله يخالف العرف والانضباط المعتاد عند المصريين.

نعود إلى لبنان وكونه الحلقة الأضعف التي أحدثت بفعل المقاومة اللبنانية متعددة القنوات عبر مراحل الثمانينيات والتي نضجت في التسعينيات في بوتقة حزب الله الذي كان له الدور الأبرز في الانتصار الكبير الذي حققه لبنان بطرد الصهاينة المحتلين وتكسير حلقاتهم وإسقاط أحلامهم في تقسيم لبنان ورهن مصيره في حكم الدولة المفككة والمستباحة في العام 2006، ومنذ ذلك الوقت خلقت المقاومة ردعًا جديدًا جعل الكيان الصهيوني يحسب حسابًا لم يكن في وارده ولا في حساباته هو الردع الحاسم والمؤثر في سير المواجهة بين لبنان والكيان الصهيوني والحلم الغربي الذي عمل على حصار المقاومة وتشويهها وإضعافها وجعلها مجرد حركة طائفية ستشكل خطرًا على لبنان وسنته ومسيحييه وفقط الكيان الصهيوني هو الملاذ الآمن لسنته ومسيحييه بدور عربي محوري من بعض الدول العربية المنضوية تحت الحلف الأمريكي، التي لعبت دور المستغيث بالغرب لحماية سنة لبنان ومسيحييه، وبدأت تمارس دعمًا للصهيونية سرًّا ثم علنًا بلا خجل.

ظل المد والجزر بين الكيان المغتصب والمقاومة اللبنانية التي حاولوا أن يشغلوها في أدوار جانبية بفتح فخاخ كما حدث في اليمن وليبيا في الربيع العربي، حيث قام حزب الله بدور طائفي بدعم الناتو في ليبيا، وكانت تلك العملية مقتلًا في قيم ومبادئ حزب الله من أجل قضية الصدر التي كانت عملًا استخباراتيًّا ليست الموساد عنها ببعيد في عملية شاركت فيها مخابرات غربية وعربية عديدة، ربما تورط فيها جواسيس ليبيون وآخرون ربما لا يعلمون بالمخطط المستهدف الذي يهدف إلى تحقيق جملة من المكاسب، ليس هذا مكان تفصيلها.

وبالرغم مما ذكرنا يبقى حزب الله كما حركة حماس التي استنفرها أيضًا الناتو للمشاركة في الحرب ضد ليبيا وسوريا بحجة الديمقراطية والدكتاتورية التي انكشف القناع عنها بأنه بالرغم من إسقاط الدكتاتورية حسب زعمهم إلا أن الديمقراطية الموعودة لم تقم ونحن نمر بالعقد الثاني الموعود، لكنهما تظلان حركتي مقاومة أصيلة مارستا خطأً تاريخيًّا مبدئيًّا بالتخلص من حلفاء لهم خسروا دعمهم.

وما محاولة الكيان الصهيوني الحالي عقاب حزب الله على وقوفه مع غزة ودعمها وممارسة استراتيجية فتح ثغرات في ترسانات العدو وقلاعه وتخفيف الضغط على غزة وكذلك إبعاد تأثيره عن شمال فلسطين لرجوع المستوطنين الذي رحلوا إلى مناطق أكثر أمنًا وليست آمنة، وكذلك إحداث تشتيت لقوة حزب الله المتماسكة إلى الآن وجر إيران لمواجهة كبرى رغم أن كلتا القوتين ليستا جاهزتين لمواجهة كبرى ولا حتى أمريكا، لكن الصهاينة يرغبون في إحداث قلاقل في لبنان لخلق أرضية سياسية للضغط على حزب الله وإضعاف شعبيته ومشروعية وجوده.

زر الذهاب إلى الأعلى