خياران لا ثالت لهما
بقلم/ ناجي إبراهيم
أمريكا والغرب لا يبنون سياساتهم على غيبيات كما يعتقد البعض، ويدعمون دولة الصهاينة لأنها ستقيم دولة الرب كما يروج الداعمون لدولة “إسرائيل”، إذا ما علمنا أن “إسرائيل” هي صناعة استعمارية لتكون قاعدة متقدمة في منطقة مهمة وحيوية لتحمي مصالح الغرب الاستعماري، وما يروج له في وسائل الإعلام وفي مراكز البحوث والدراسات هو تبرير يخفي النوايا الحقيقية للمشروع الذي أنتج هذا الكيان الذي كان سببًا في حالة عدم الاستقرار في منطقة مهمة في العالم، وما يجري تنفيذه من مخطط في منطقتنا تقوده دولة الاحتلال الصهيوني وبمشاركة الغرب الإمبريالي وسط صمت عربي ليس جديدًا، الجديد هو تغيير المناخات ونضوج الظروف التي توفرت بعد ما سمي الربيع العربي الذي كان سببًا في تهيئة المناخات وخلق الظروف التي تسمح بإنجاح الجهود التي تقود في النهاية إلى رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة لدولة الكيان وتحقيق حلمها في دولة من النيل إلى الفرات وتحويل سكان المنطقة إلى عبيد، لا شيء يوقف هذا الزحف الذي يحرث الأرض وتمهيدها أمام جيوشها الزاحفة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، والذي لن يستمع إلى صراخنا، ولن تعطله استجداءاتنا على منابر الأمم المتحدة، والتي جربناها عقودًا من الزمان، ما لم نجربه ويسمعه العدو ويوقف آلته التي تتقدم نحو عواصمنا هو صوت بنادقنا، ودمنا وحده من سيغرق جيشه، عدا ذلك هو هروب من موت محقق، ولن يهزم الموت الذي يحصد أرواحنا إلا الموت الذي يحصد أرواحهم، ولن تفلح سياسات التطبيع، ولن تفلح سياسات الأرض مقابل السلام، وحتى السلام مقابل السلام، ولن تشفع لنا سفاراتهم التي نحميها.
أمريكا لم تخفِ دعمها للكيان الصهيوني قولًا وفعلًا، وتقدم له الحماية في مواجهة أي تهديد حتى لو كان محتملًا، وتحشد جيوشها وأساطيلها وتستنفر قواتها المتمركزة في مناطق حول الشرق الأوسط وتوفر له الغطاء القانوني والسياسي في مواجهة أي قرارات دولية تدين المجازر التي يرتكبها في فلسطين لبنان وسوريا، وبل وتشاركه في جرائمه في الميدان، وما ينفذ من مذابح ومجازر في لبنان وفلسطين يجري بمشاركة أمريكية، وعلى الرغم من ذلك لا يزال بعض العرب يرجون تدخلًا أمريكيًّا لوقف الحرب الهمجية التي تدور رحاها في لبنان وفلسطين، ويستقبلون المبعوثين الأمريكيين ويفرشون لهم البساط الأحمر، رغم إعلانهم دعم ما يسمى “إسرائيل” والدفاع عن نفسها، ووصفها لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية بأنها منظمات إرهابية، ولا يوجد عاقل يصدق تصريحات ووعود الحكومة الأمريكية من أي طيف وهم يعلنون في كل أقوالهم التزامهم بحماية هذا الكيان رغم ما يرتكبه من مجازر ومذابح يندى لها جبين البشرية، وذلك ما يفسر مشاركتهم للكيان فيما يرتكبه من جرائم، أمريكا مسؤولة عن الدم الذي يسفك في منطقتنا، وهذا ليس شكوكًا أو اتهامات لم تثبت، بل ممارسة فعلية على الأرض فوق دعمها للعدو بالسلاح الفتاك وبالأموال وبالغطاء السياسي تقوم قواتهم المتواجدة في المنطقة بمشاركة فعلية في العمليات الحربية.
كانت الدول الاستعمارية قد رسمت خريطة منطقتنا في اتفاقية سايكس بيكو، وتولت بريطانيا تسليم فلسطين للمهاجرين الصهاينة وسلَّحتهم تنفيذًا لوعد قطعوه “وعد بلفور” ليتمكنوا من طرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم من خلال مذابح لا تقل بشاعة عن التي نشهدها هذه الأيام في غزة وبيروت، وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث الوضع العربي الخارج من توه من الاستعمار بل أغلب دوله ما زالت تحت حماية جيوش الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ووضعنا اليوم مشابه للأمس، حيث نجحت المخابرات الغربية في التغرير ببعض الشباب ليحولوا بلدانهم للتبعية للسفارات والمبعوثين، ونجح الغرب، من خلال مؤامرة الربيع العربي، في القضاء على النظم الوطنية التي كانت حائطًا وسدًّا ضد المشاريع الاستعمارية والغربية، ولذلك صار الطريق ممهدًا والبيئة جاهزة لاستكمال مشروع ما بعد سايكس بيكو، وربما كانت ملاحق سرية له ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط لم نرَ معالمها، والتي حتما ستكون لمصلحة المشروع الصهيوني الذي يضمن مصلحة الغرب الإمبريالي في المنطقة، وذلك ليس تخريصًا أو تخمينًا، بل صار معلنًا، وقاله نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، وصفق له كثير وقوفًا ما يعني دعم ممثلي الشعب الأمريكي لمشروع اليمين الصهيوني في الغرب، فليس أمامنا خيارات كثيرة نحن العرب، أمامنا خياران إما مقاومة هذا المشروع أو الفناء، لأن ما يتم إعداده للمنطقة فاق كل تصور ويتعلق بوجودنا.