مقالات الرأي

‏تاريخ له تاريخ

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏7 أكتوبر تاريخ مهم في مسيرة الأمة العربية الحديثة، ففي 7 أكتوبر 1911 شنت القوات الإيطالية هجومًا غادرًا على طرابلس وبنغازي ودرنة بعد أن تيقنوا من ضعف الدولة التركية التي كانت تستعمرها لقرون، وبعد مقاومة باسلة استمرت لعقود وباستخدام غير مسبوق للقوة واستعمال وسائل الحرب المتطورة، فلأول مرة يدخل الطيران وتستخدم الدبابات في حروب الصحاري ويستخدم الغاز للقتل، وبعد أفعال وحشية ضد الليبيين نجح الجيش الإيطالي في احتلال ليبيا واستعمارها وتهجير أغلب سكانها واستولى على الأراضي الخصبة وملَّكها لضباطه وجنوده.

وفي 7 أكتوبر 1970 أجبرت ثورة الفاتح المستوطنين الإيطاليين الذين احتلوا أراضي الليبيين واستوطنوها، وحولوا طرابلس والجفارة والجبل الأخضر إلى ملكيات ومستوطنات خاصة بهم، ففي ذلك اليوم العظيم أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا تاريخيًّا بطردهم من ليبيا وأجبرهم على مغادرتها محملين بحقائب ملابسهم فقط، وأعلن النظام الثوري وقتها أن أولئك المستوطنين هم الجنود والضباط الذين غزوا ليبيا ونكَّلوا بأهلها ومارسوا إبادة جماعية ضد الليبيين العزَّل ومارسوا وحشية معسكرات الاعتقال الجماعي والنفي الجماعي إلى الجزر الإيطالية المهجورة، وأبنائهم وأحفادهم، وكان ينبغي أن يحاكموا على تلك الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وأن يعوِّضوا الشعب الليبي على ما ألحقوه به من أضرار، وفعلًا استمرت العلاقات الليبية الإيطالية في أدنى درجاتها حتى قبلت الحكومة الإيطالية لاحقًا بمطالب ليبيا، فاعتذرت عن جرائم الحكومات السابقة إبان مرحلة الاستعمار ووافقت على تعويض الليبيين تعويضًا عادلًا.

وفي 7 أكتوبر 1973 نجحت القوات العربية في مصر وسوريا في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف في سيناء واستعادة القنيطرة في الجولان ونجحت في إلحاق هزيمة بالجيش الصهيوني.

لكن 7 أكتوبر الذي سيبقى مخلدًا ولزمن طويل في التاريخ العربي هو ما حدث عام 2023، عندما تمكن المقاومون القساميون الشجعان وبإمكانيات بسيطة وربما بدائية من تحطيم أسطورة العدو العسكرية والاستخباراتية ومهاجمة القيادة الصهيونية المتمركزة حول غزة وتدميرها وأسر مئات الجنود والضباط وخلق حالة رعب في المستوطنات الصهيونية المحاذية لقطاع غزة وإفراغها من المستوطنين، وأمطرت المقاومة الغزاوية الباسلة تل أبيب وعسقلان وأسدود وبئر السبع والرملة وغيرها من المدن بآلاف الصواريخ.

في 7 أكتوبر 2023 ارتبكت القيادة الصهيونية وكادت تسقط، لولا أن هرع “بايدن” وفريق الحرب الأمريكي الذي سخَّر كل إمكانات الجيش الأمريكي للدخول الفوري وإعادة التوازن، وكذلك ركض الهندي “سوناك” رئيس وزراء بريطانيا مسخِّرا كل القوة البريطانية، فحرَّك الجيش البريطاني لدعم الكيان وكذلك فعل “ماكرون”، و”شولتز” وغيرهم من قادة الغرب الداعم بلا قيود ولا حدود لإسرائيل، وما زالت أحداث أكتوبر 2023 تتفاعل وتتطور، فبعد عام كامل لا يزال التخبط الصهيوني والفشل الغربي سيد الموقف، وربما تؤدي هذه المعركة التاريخية الكبرى إلى تغيرات جيو استراتيجية مهمة.

المحزن والمخزي موقف الحكومات العربية كلها دون استثناء التي تكتفي بالمشاهدة عن بعد وكأن ما يجري شأن لا يعنيها وحدث يقع في كوكب آخر ولا يضرب الوطن العربي في عمقه ويهدد العرب في وجودهم المادي، ناهيك عن ثرواتهم ومواردهم ومستقبل أبنائهم ، الحكام العرب المفروضون على الأمة مرعوبون مما يجري ومما قد يحدث، لكنهم لا يدركون أن شرر النيران وصل إلى جلابيبهم، المحزن أن الشارع العربي ضربه الوهن والضعف وتمكن منه فيروس الحرب النفسية، فصار يكتفي بمشاهدة القنوات التي أنشئت لتشتيت العرب وتفريقهم وتشكيكهم في أصدقائهم ودفعهم إلى أحضان أعدائهم.

وحدها جماعات ثورية غير حكومية من اليمن والعراق ولبنان تدعم بالأفعال وليس بالأقوال القساميين الأبطال.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى