مقالات الرأي

الأمة لا تموت وأن غاب سيِّدها 

بقلم/ محمد علوش

أما وقد تمت الجريمة، وتمت عملية الغدر بقائد كبير وقامة عظيمة كسماحة السيّد حسن نصر الله، له مكانته العالية والجليلة وله حضوره اللافت في حياة الأجيال العربية منذ عقود، حيث صعد نجمًا ونبراسًا لحركة المقاومة ورائدًا لها، حيث امتاز بالصلابة والمصداقية والثقة المطلقة بهذا الخط وبهذا النهج الذي انتهجه على طريق القدس ومن أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لمخططاته العدوانية التي تستهدف الأرض العربية.

وسواء اتفقت أو اختلفت مع سماحة السيّد نصر الله، يبقى له كل الاحترام في قلوب الملايين في فلسطين ولبنان وفي عموم المنطقة العربية والعالم، دون أن نلتفت أبدًا إلى كل لافتات التقسيم الطائفي والمذهبي الذين مثلوا دائمًا تيارًا تحريضيًّا يبشر بالهزيمة والانكسار وتكريس التبعية للآخر النقيض، وطابورًا خامسًا مهمته الأساسية التشويه وقلب الحقائق وخدمة الأجندات الخارجية التي تسعى إلى فرض حضورها والاستبداد ببلداننا وبشعوبنا وبمستقبلنا.

هذه الجريمة الغادرة التي استهدفت الضاحية الجنوبية من بيروت في محاولة آثمة للوصول إلى نصر الله واغتياله، لن تثني المقاومة عن مواصلة النضال والتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية، وإن هذه الجريمة تمثل فصلًا جديدًا من فصول الإرهاب الصهيوني المتواصل بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني في إطار جريمة الحرب والإبادة الجماعية المستمرة، والتمادي في جرائمه.

جريمة الاغتيال هذه التي نفذها جيش الاحتلال بقرار سياسي من حكومة نتنياهو، تأتي دليلًا دامغًا على الاستراتيجية الاحتلالية العدوانية التي تسعى إلى تكريس إرهاب الدولة المنظم، الذي يخدم الأهداف السياسية للائتلاف اليميني الفاشي والمتطرف في حكومة الاحتلال المتعطش للدماء، والذي يجسد الإرهاب في أبشع صوره.

وهذه الجريمة بكل تأكيد نفذت بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية التي شكلت دومًا داعمًا وحلفيًا وشريكًا إستراتيجيًّا لإسرائيل، وقدمت الولايات المتحدة الدعم بالمال والسلاح والإعلام والحماية للاحتلال وقيادته وجنرالاته الإرهابيين، وعطلت كذلك الجهود الدولية التي بذلت من أجل وقف إطلاق النار ووقف الحرب العدوانية والتدميرية الشاملة التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني.

باغتيال السيّد حسن، فقدت فلسطين وفقد لبنان وكل الأمة والأحرار، قائدًا استثنائيًّا ورمزًا من رموز المقاومة؛ ومثل دائمًا شخصية قيادية فذة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتمتع بمكانة رفيعة ومتجذرة في الصراع ضد الإدارة الأمريكية وإسرائيل الاستعمارية، وتميز بالثبات على موقفه الطليعي والداعم لحقوق الشعوب العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، واتسم بشجاعة نادرة في مواجهة التهديدات، وامتاز بالحكمة والحنكة السياسية ليكون قادرًا على التعامل مع أعقد التحديات التي واجهت حزب الله وقوى المقاومة، مكرسًا حياته في خدمة المقاومة وقضيتها وأهدافها، وشكَّل نموذجًا يحتذى به في التضحية والوفاء للقضية الفلسطينية كقضية مركزية أجمعت عليها كل القوى الوطنية الثائرة في وجه الاحتلال الإسرائيلي والأطماع الأمريكية والإمبريالية في المنطقة.

عملية الاغتيال الجبانة للسيّد نصر الله ورفاقه، ليست مجرد جريمة نكتفي بإدانتها، بل هي عمل إرهابي وجبان تحاول إسرائيل ومعها الولايات المتحدة من خلاله أن تذهبا بعيدًا في الحرب الإجرامية المفتوحة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.

فداحة الخسارة وعظمتها سوف تتغلب على إرادة المناضلين وعلى إرادة الثبات والصمود، واستشهاد سيّد المقاومة يمثل خسارة فادحة، لكنه لن يفت في عضد المقاومة ولن يضعف عزيمتها؛ بل على العكس، ستزداد صفوف المقاومة اللبنانية صلابة ونضالًا وجسارة، وفي كل مكان إصرارًا على مواصلة المواجهة المفتوحة مع الاحتلال ومجلس حرب الاحتلال برئاسة نتنياهو الذي لا يفهم إلا لغة القوة.

الأمة لا تموت، وإن غاب سيّدها وقائدها ورمزها وضميرها الحي الذي لا يموت، وإن الشعبين اللبناني والفلسطيني والشعوب العربية وأحرار العالم، لا يمكن أن يخضعوا للهيمنة أو الابتزاز أو أي شكل من أشكال المساومة، أو أن يستسلموا لهذا الانفلات العدواني الغاشم لدولة الاحتلال وجنون حربها البربرية الشاملة، وسيزيدها تصميمًا على لجم الهيمنة والمشاريع الاستعمارية والتوسعية الأمريكية والصهيونية، ومن أجل تحقيق الحرية والاستقلال ودحر الاحتلال عن الأرض الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين المستقلة، وحماية وتعزيز مصالح وسيادة شعوبنا العربية التي لم ولن تتراجع عن استعادة حقوقها وكرامتها واستقلالها الناجز.

زر الذهاب إلى الأعلى