75 عامًا والصين الشعبية ترسم خطى المستقبل
بقلم/ محمد علوش
كانت جمهورية الصين الشعبية وما زالت داعمًا أساسيًّا وفاعلًا للقضية الفلسطينية ولحقِّ شعبنا في تقرير مصيره، وحقنا العادل والمشروع في مواجهة الاحتلال والتصدي لكل مخططاته ومشاريعه الاستيطانية والاستعمارية وإقامة دولتنا المستقلة، وفي هذا الاطار أطلق الزعيم الصيني شي جين بينغ مبادرة سياسية من أربع نقاط لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، المستندة إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس، وهذه المبادرة الصينية لاقت ترحيبًا فلسطينيًّا، وما زلنا نؤكد على أهميتها على الصعيد الدولي في إطار الجهود الصينية والدولية الأخرى لمعالجة القضية الفلسطينية بما يضمن الحقوق الوطنية المشروعة والكاملة للشعب الفلسطيني.
في هذه الأيام تحتفل الصين باليوم الوطني، وذكرى ثورة أكتوبر المجيدة، ومرور خمسة وسبعين عامًا على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والتي لا يسعنا فيها وفي ظلال هذه الذكرى إلا الإشادة والتقدير الكبيرين بالإنجازات العظيمة التي تم تحقيقها منذ عام 1949 إلى يومنا هذا، وعلى كل المستويات تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ولجنته المركزية ونواتها الرئيس شي، بما استطاعت أن تحققه من معجزات كبيرة في مواجهة الفقر، والارتقاء بمستوى النمو الاقتصادي غير المسبوق، لتكون الصين اليوم ثاني أهم اقتصاديات العالم، وكل هذا تحقق بفعل حكمة القيادة الصينية العظيمة، التي وضعت نصب أعينها المضي قدمًا في هذه المهمة العظيمة لتعزيز التنمية وبناء الاقتصاد المستقل ومواصلة عمليات التحديث صينية النمط، ومواصلة الطريق بشجاعة وعزيمة جبارة لبناء الدولة الاشتراكية الحديثة على نحو شامل، وكل هذه الإنجازات بالنسبة لنا هي فخر لفلسطين التي ترتبط بعلاقات الصداقة الوثيقة مع الصين ومع شعبها المخلص.
إن جمهورية الصين الشعبية صديقة لفلسطين، وصديقة للفلسطينيين والعرب، وقد تأسست علاقتنا الفلسطينية مع الصين منذ زمن مبكر عام 1963، وفي ذلك العام أخذت الصين قرارًا مهمًّا وهو منع رسو السفن الإسرائيلية في الموانئ الصينية، وتلا ذلك زيارة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وبناء وترسيخ العلاقات القوية مع الحزب الشيوعي الصيني، وبناء علاقات متطورة وموثوقة من أجل السلام ودفع الظلم عن الشعوب المظلومة، وليس فقط في فلسطين، بل في كل أنحاء العالم، حيث شكلت الصين في تلك المرحلة المبكرة عنوانًا لكل قوى التحرر والحرية في العالم، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية التي افتتحت أول سفارة لها في بكين لتكون السفارة الفلسطينية الأولى في العالم.
إن سياسة الصين تجاه فلسطين متوازنة ومتساوية ومستمرة بذات الوتيرة، حيث اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا، واعترفت بإعلان الاستقلال الفلسطيني وبدولة فلسطين، وأقامت علاقة الصداقة والعلاقات الرفاقية المتقدمة مع العديد من القوى والأحزاب الفلسطينية، ومن بينها جبهة النضال الشعبي الفلسطيني التي أقامت علاقات وطيدة مع الحزب وعملت من أجل تعزيز أواصر الصداقة بين شعبينا الفلسطيني والصيني ومصلحة البلدين الصديقين.
هناك العديد من البرامج المشتركة في التنمية الاقتصادية وفي الشأن الثقافي والسياسي وفي مجالات العمل الأخرى، ودولة فلسطين تتمتع بعلاقات استراتيجية مع الصين، استنادًا إلى التفاهمات المشتركة لرئيسي البلدين، وهذه العلاقة الاستراتيجية يجب أن تترجم على أرض الواقع لكي لا تبقى شعارًا مرفوعًا فقط، ومن هناك نحتاج إلى إرادة وإدارة لهذه العلاقات وتوطيدها وإرساء دعائمها والمضي بها لتكون بمستوى متقدم للعلاقات الراسخة بين دولتين تجمعهما القيم والمبادئ والأهداف والتطلعات المشتركة، وهنا نذكِّر أن الصين عندما أطلقت الحزام والطريق كان هذا أيضًا بالنسبة إلى فلسطين مشروعًا مهمًّا واستراتيجيًّا، ففلسطين تاريخيًّا بَنت علاقات وأولويات لها في إطار طريق الحرير القديم، وأيضًا في الحزام والطريق، وفي القمة العربية الصينية، وما زالت تتطلع إلى مبادرات الصين الوازنة وفي طليعتها بناء مستقبل المصير المشترك وتعزيز الحضارة العالمية وفق ما عبرت عنه المبادرة الصينية الخلاقة.
لقد تعلمنا من الصين الكثير، ونحن على ثقة بما تقدمه الصين للإنسانية، ولأن العقل المغلق مثل الكتاب المغلق، فعلينا أن نزداد علمًا ومعرفة بالواقع الصيني وبناء أوسع علاقات فلسطينية صينية، والشعب الفلسطيني الشعب العظيم والمكافح في ركب العالم، ولا ينقصنا إلا الدولة التي نجسد فيها حريتنا وكرامتنا ونظامنا السياسي والديمقراطي، ولدينا من القيادات والكوادر القادرون على إدارة المشهد بكفاءة عالية، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة وعليها أيضًا شعب عظيم لا يتراجع عن حقوقه وعن مستقبله وعن هويته الوطنية.
إن الصين اليوم وباعتبارها لاعبًا مهمًّا وطليعيًّا على الساحة الدولية، فهذا يعزز الأمل الفلسطيني، ونحن نرحب لبناء علاقة متوازنة على صعيد المستوى العالمي، وهذا دون أدنى شك يخدم القضية الفلسطينية ويخدم مستقبل البشرية، وآمال شعوبنا بالتغيير وإعادة بناء العالم بنظام دولي جديد متعدد الأطراف ليكون نظامًا للعدل والإنصاف من أجل السلام والاستقرار في كل العالم