لبيك يا علم العروبة!
بقلم/ فرج بوخروبة
ونحن نمر بمرحلة صعبة من تاريخ الأمة العربية، الضائعة في ظل غياب الرؤية الوطنية، التي هي أساس الأمة وجذرها الحضاري، منذ القدم وحتى زمن ليس ببعيد، والغارقة في متاهاتها المجهولة من قادم الأيام، وما تضمره للأمة من أحداث قد لا تنتهي إلا بمزيد من التقهقر واليأس والإحباط، الذي أضحى واقعًا جديدًا في عالم لا يعترف إلا بالقوة، في ظل غياب الإرادة الوطنية، التي لم تعد قادرة على مواجهة عدوها، كما أنها لا تزال في حالة ضعف في الحركة الوطنية، وما لها من تداعيات سلبية في المجتمع العربي عمومًا، خاصة مع استمرار انتشار الأمية السياسية في المنطقة بشكل كبير، والوازع النفسي لدى الأمة الذي ننشده، وأصبحنا نتحسسه على أرض فلسطين المغتصبة.
وإذا ما غصنا في خبايا التاريخ فسنجد أنفسنا أمام تحديات جمة قد تكون لها انعكاساتها على المجتمع الإسلامي الذي يعيش في عصر العولمة بعقلية القرن السادس الميلادي! وإذا استدعينا التاريخ، فسنذكر قادة العرب وانتصاراتهم وعزهم ومجدهم الذي كان.
اليوم ونحن نعيش حصار الأمة العربية والإسلامية التي تعاني من غياب الوعي السياسي، وفكر لا يكاد يخلو من ريب، يقود إلى انهيار القيم العربية الأصيلة، بعيدًا عن مواكبة التطورات العالمية الحديثة، في مجال الفكر والثقافة والإعلام والتكنولوجيا، التي تواجهها الأمة بموروث وأساطير عفى عليها الزمن، وتجاوزتها العقول البشرية في حاضرها ومستقبلها.
أين هم العرب وقوميتهم ووطنهم الواحد من المحيط إلى الخليج، ورايتهم الخفاقة على سارية العزة والكرامة، وأرضهم الناطقة بالعربية؟ أين هم من عرب وقادة (إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فرحين بما آتاهم من هوان وانكسار أمام غطرسة الصهاينة وعنجهيتهم، وفرض سيطرتهم وبناء مستوطناتهم على حساب أهل الدار الحقيقيين، على مرأى ومسمع قادة العرب الخانعين القابعين في مخابئهم متسلحين باتفاقيات ومعاهدات السلام والتطبيع مع إسرائيل بمباركة أمريكا وحلفائها الأوربيين! وقادة العرب المنددين والمستنكرين والمستهجنين! تصنعًا بأعصاب باردة لتسجيل موقف سياسي أمام شعوبهم لحفظ ماء الوجه القبيح، وفي الخفاء وجه آخر يفاوض من أجل السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، مراعاة لمشاعر صديقتهم من طرف واحد، وعدوهم اللدود كعرب دون استثناء! تراهم يلهثون وراء إرضائها وفهم موقفها من الصراع القائم مع حماس والجهاد وكتائب القدس، وجنوب لبنان، المجرمين في نظرهم وذلك لإقدامهم على مواجهة الاحتلال والنيل منه، ولو بحجارة مقلاع!
في مشهدٍ مخزٍ لهم وللعالم المتفرج على هذه المجازر بعيون وقحة، ليتحقق لنا هذا المعنى المعبر في هذا الاقتباس: (تفاحة واحدة سقطت على الأرض فاكتشف نيوتن قانون الجاذبية! والآن تسقط آلاف الجثث ولم يكتشف العالم قانون الإنسانية)، وبهذا الخذلان العجيب منا نحن العرب قبل العجم، دون أي اعتبار لتاريخنا وعروبتنا ودمائنا التي تجري في عروقنا كأمة عربية واحدة، ذاهبة إلى نهايتها بإرادتها، متناسية الماضي التليد والتاريخ المشرف للوطن الكريم، الذي يشتد عوده، كلما ألم به من شدة، يشحذ روحه ووجدانه كعروبي تجري في دمائه الحارة الغيرة والصبر والتجلد صارخًا واعروبتاه، مرددًا أنشودة الفنان اللبناني محمد سليمان: “لبيك يا علم العروبة، كلنا نفدي الحمي. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما. لبيك أن عطش اللوا. سكب الشباب له الدما. لبيك حتى تنقل الأرض الهتاف إلى السما”.