مقالات الرأي

ليبيا جديدة.. بالمؤتمر التأسيسي!

بقلم/ سالم أبو خزام

تأكد الآن لدى كل الليبيين أن خيارات الحرب غير مجدية ومدمرة للبلاد، ومن جميع النواحي الاجتماعية، الاقتصادية، الأمنية، والسياسية، وهي لن تجر علينا إلا مزيدًا من سفك الدماء، بيننا أبناء الشعب الليبي، وأيضًا تخلف وتترك مآسي خطيرة قد لا نشفى منها إلا بعد سنين طويلة، ولذلك اتفق الشعب الليبي كله ظنًّا أن خيار الحرب مرفوض ومبعد تمامًا، وبالتالي فإن شعبنا الآن يصوت وبالإجماع على الخيارات السلمية ويستبعد كل الخيارات العسكرية، وينشد السلم والسلام من كل الجوانب.

الاتفاق السياسي الذي صمم لنا في المغرب منذ العام 2015، بتركيبته ذات الأطراف الضعيفة هو من دمر ليبيا وبطريقة (سرطانية) وجعلها تتآكل من الداخل، حيث حمى هذا السياج أغلب القوى السياسية وجعلها تفتك فعليا بليبيا على مرأى ومسمع الجميع دونما حراك، وأن هذه الأجسام البالية تتآكل من الداخل، فمثلًا: مجلس الدولة، بقايا المؤتمر الوطني العام أعيدت صياغته بشكل جديد وبعنوان براق بمسمى (المجلس الأعلى الاستشاري للدولة)، وتم حذف كلمة الاستشاري، ليشارك هذا البناء المعيب في السلطة التشريعية، ويصبح غريمًا لمجلس النواب، يناكفه، ومهمته هي إجهاض قرارات الأخير، وهذا ما رأينا وعايشنا! وهذا المجلس يتولى نزيفًا اقتصاديًا لا ينتهي أبدًا، أيضًا لم يتفق ولو مرة واحدة وذات قيمة تعود على شعبنا بالخير نهائيا، والسؤال المطروح، ما جدوى بقائه؟

لنتأمل ورقة تصويتية محروقة، كيف عبثت به وقسمته إلى نصفين عاطلين ليزيد التناكف والصراع، وندخل دائرة جديدة من العبث والفوضى العارمة! هذه الحالة العبثية شهد عليها كل شعبنا وهو يتفرج بحرقة وحسرة، ودونما موقف منه أبدًا! بمعنى أن مجلس الدولة تآكل وانتهى وانقسم على نفسه بسبب الصراعات والانقسامات والخلاف في وجهات النظر السياسية، أما مجلس النواب، دونما شك فهو أفضل الأسوياء، لكنه منذ 2014 لم يجدد نفسه ولم يشأ أن يذهب إلى عملية انتخابات لتجديد شرعيته المتأكلة، بل يصر على الاستمرار ولو برئة واحدة! أيضا رئاسته تتمسك بموقعها حتى الوصول إلى خط النهاية وانقطاع الأنفاس! ومن المضحك استمراره في جلسة واحدة متصلة دونما رفعها للحفاظ على عدد الحضور والنصاب الشكلي.

تحول مجلس النواب من ممثل حقيقي للشعب الليبي وأداة تشريع تعمل بشكل محايد ويركن إليها شعبنا في فرز القوانين وأحداثها بكل حياد، وبالتالي فإن كل الشعب أمامه سواسية، عوض كل ذلك تحول إلى أداة صراع وانخرط فيها بكل قوة، وكوَّن ما يعرف بالكتل المؤيدة وكتل أخرى تعارض، وبذلك ضعف ووهن، وهو يسير بشكل أعرج، وكافة إجراءاته ملوثة ويعمقها المال الفاسد، أما المجلس الرئاسي فأظن أن أغلب شعبنا ينظر إليه كأداة نائمة بدون عمل حقيقي، وهو محطة يرتاح عندها (الأجنبي) ليحيك أطراف خططه الموجعة لبلادنا، وإلا بماذا يفسر قراره المعيب بالتدخل في غير اختصاصه؟ إن أقل وصف للمجلس الرئاسي هو أنجح أداة لأجل (عرقلة أي اتفاق)!

إن الاتفاق السياسي بطريقة غير مباشرة هو المسؤول عن كل خلل حدث بليبيا، وآخره جريمة اقتحام (المصرف المركزي) وإفساد أهم مرفق مالي بكل ليبيا، أو على الأقل هزه بعنف لتذهب ليبيا إلى (النفط مقابل الغذاء) والعصف بكل مواردها وضربها بقوة لتنهار رغم أنها دولة غنية، فالمطلوب بهذا الاتفاق السياسي اقتيادنا إلى الحالة العراقية، بجعل هوة وفجوة كبيرة بين الدولار والدينار، لعقاب فكرة (الدينار الذهبي!) واقتلاعها من جذورها.

إن اختيار حكومتين لأمر شاق على بلادي مهما كانت المبررات وتحت أية ظروف، خاصة حكومة الوحدة الوطنية، الرائدة في تجريف الأموال الليبية وبعثرتها هكذا جزافًا وتحويل أموالنا وأرزاق شعبنا نحو الخارج في صور تبدو قانونية للإفلات من التتبع والعقاب.

يضاف إلى ذلك ضرب مؤسسات الدولة بإغراقها بموظفين غير مختصين في كل إرجاء الدولة وبتعليمات يتصدى لها الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والإسلام السياسي، والتشكيلات المسلحة، تحت تسميات خادعة.

أمام كل هذا الإفساد ما ينفثه الأجنبي بكل كفاءة وسط وجود بيئة مناسبة لشد بلادي نحو الخلف، ليس هناك من طريقة مثلى لإنقاذ كل الوطن إلا بضرورة انهيار (الاتفاق السياسي) وإعلاء ليبيا بأبنائها، لتشهد الإعمار والبناء والتنمية في كل القطاعات المختلفة، لتُنار كل دروبها بإذن الله وتنتعش من جديد ببرامجها التنموية وبعقول رجالها من المفكرين، المثقفين، المهندسين، الاقتصاديين، المعلمين، الأطباء، المحامين، القضاة ورجال القانون من النساء والرجال.

لا بد من ضرب هذا (الاتفاق السياسي) والتفكير بطريقة غير تقليدية، ليجتمع كل الفرقاء السياسيين حول طاولة مستديرة واحدة بدون (الأجنبي) وتبني الحل الليبي الليبي “المؤتمر التأسيسي”، لأجل أن تظهر علينا ليبيا جديدة بكامل أركانها كدولة حديثة يتساوى فيها الجميع تحت راية واحدة، وبإشراف دولي نرتضيه، هي (الأمم المتحدة) لننفذ ما يتفق عليه كل الشعب الليبي.

زر الذهاب إلى الأعلى