مقالات الرأي

طغيان الهاجس المادي

بقلم/ المهدي الفهري

طغيان القيم المادية على حساب القيم الوطنية يشعرنا بالحاجة إلى إعادة النظر في معركة الوعي وإعادة ترتيب الأولويات ويوحي إلينا بأهمية التحكم في الخطوط العريضة التي تسيِّر حياتنا وسلوكنا، لا سيما وهي تأتي كنتاج وكنتيجة حتمية لانهيار المنظومة القيمية التي توجه التصورات الفكرية والممارسات العملية وما تعود وتعارف عليه الناس من قواعد وأعراف وعادات في كل مراحل النشاط والتطور التي تضبط حياة الإنسان في المجالات المختلفة، والتي يؤدي التخلي عنها إلى السقوط في مزيد من المصاعب والأزمات.

تلك معركة أساسية يجب علينا خوضها، وأن نحرص فيها على الفوز وهي جزء لا يتجزأ من أسباب التعرف على استراتيجية الأزمة التي أحدثت اختلالًا في الموازين، وأثارت الكثير من التساؤلات والنعرات والفوارق البينية بين المواطنين، وكيفية البحث لها عن مخارج وحلول بعد أن أطلق العنان لكسب المال دون ضوابط، وأتيحت الفرصة لسلطة المال أن تسود وتسيطر على الميدان بلا قيود، وأن تحتكر الموقف والقرار وتهيمن على باقي السلطات بدون حدود، وأضحت المادة هي الغاية وهي الهدف، وفي ظل فراغ فكري وتعثُّر ثقافي وتدهور اقتصادي جرد الحياة من سننها وفلسفتها وبأسلوب ينافي المنطق والعقل والقيمة الجوهرية للإنسان التي ينبغي أن توازي تلك الأهداف والغايات، وهذا ما دفع بالكثير إلى فقدان البوصلة والانحراف نحو الفوضى واتساع دائرة الفساد.

إن ما يعاني منه واقعنا الحالي من تخبط واضطراب هو نتيجة لزيادة منسوب هذا التوجه وما تلاه من ارتفاع ملموس لمستوى هذه الهواجس، وما صاحبها من بحث نحو الثراء وجمع الثروات والكسب السريع المشروع واللا مشروع دون أدنى مراعاة للمعايير الأخلاقية والاجتماعية بل تجاوز وتطاول على كل اللوائح والقوانين التي تنظم وتضبط هذا النشاط والتي تم الاتفاق عليها من طرف الجميع، وما أحوجنا اليوم للتذكير والإشارة لشؤون الوطن وقيمه وقضاياه بنفس الوتيرة وبنفس الحدة والرغبة في الحصول على الحاجات والرغبات، وما أروع أن يوازي هذا النشاط جهد إنساني على مستوى الضمير والسلوك والمعاملات في وقت تحول فيه مجتمعنا إلى مجتمع مادي صرف لا يؤمن إلا بوحدات الاستهلاك والاستغلال، ولا يتعامل إلا بموازين الربح والخسارة، ولا يفكر إلا بما يستطيع جمعه من أموال وثروات من أي جهة مهما كان مصدرها ومنشأها، دون أدنى نظرة أو التفاتة أو مراعاة لأحقيتها ومشروعيتها. هذه ليست دعوة للكسل، بل دعوة لمضاعفة الجهد ومزيد من العمل، ولكن ليس من خلال النهب والسلب والابتزاز وغياب الشعور بالمراقبة والمسؤولية، وليس على حساب مصالح الوطن والمواطن، بل من خلال أنماط شراكة جديدة تكون أكثر عدالة وكفاءة وفاعلية وتؤدي إلى الانضباط المالي الذي يسد الثغرات القانونية التي يفر ويفلت منها اللصوص بلا عقاب.

زر الذهاب إلى الأعلى