الحاجة إلى تعديل قانون المرافعات الليبي بين الإقدام والإحجام
بقلم/ عبدالمجيد قاسم
من بين الإشكاليات التي تواجه العاملين في حقل القضاء، تلك الإشكاليات الإجرائية التي سببها وجود نصوص في قانون المرافعات المدنية والتجارية أثبت الواقع العملي الحاجة إلى تعديلها ولم تجد طريقها إلى التعديل.
وحتى يكون الأمر واضحًا للقارئ غير المتخصص، فإن قانون المرافعات المدنية والتجارية هو القانون الذي يحتوي إجراءات التداعي أمام المحاكم، وإجراءات تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية، وهذا القانون قد صدر في بداية خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا في العام 1953، وهو مأخوذ من قانون المرافعات المصري، نسخ لصق، وما زال نافذًا، ولم يدخل التعديل سوى على بعض مواده.
فقانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي إذن قانون تاريخي، تعمل به المحاكم الليبية منذ سبعة عقود ونيف، فهو بمثابة لائحة إجرائية ارتدت ثوب القانون لتعمل بها المحاكم، وقد اتسم العمل القضائي في ظل هذا القانون بالإغراق في الشكلية، على نحو بات البطلان فيه سيفًا مسلطًا، يشرعه الخصوم تجاه بعضهم بعضًا، وتحكم به المحاكم مهما علت درجة التقاضي، فالدعوى قد ترجع من المحكمة العليا ليس لعيب في الحكم من الناحية الموضوعية التي تمس الحق، بل لعيب من الناحية الشكلية، فيترنح الحق الذي قضت به المحكمة، ولم يطعن فيه الخصوم، ويسقط نتيجة عيب في شكل الدعوى.
وقد حفزت الحاجة إلى تعديل قانون المرافعات المختصين منذ سبعينيات القرن الماضي، فعكفوا على إعادة النظر فيه لمرات تكررت، لكن ما توصلوا إليه لم ير النور، ربما بسبب تخوف السلطة التشريعية من المساس بقانون يمكن وصفه بالمحكم إجمالًا برغم ما فيه من عيوب، وربما لأن هذه السلطة لا توليه الاهتمام الكافي كونه قانونًا إجرائيًّا، فهي لا ترى تأثيره في الحقوق، وربما لأن ما تم إعداده من المختصين لم يأخذ حظه من النضج الكافي لإحلاله محل ما درج عليه العمل منذ عقود، لكن الأمر الذي قد يثير بعض الغرابة هو أن المصدر التاريخي لهذا القانون، وهو قانون المرافعات المصري قد تغير بشكل شبه كامل، وتطور، وتم التخلي عن الجمود الذي يصم بعض الإجراءات، ولا يزال صنوه القانون الليبي كما اقتلع من أصله، لم تطله يد التطوير والتحديث.
عمومًا أضع هنا تحليلًا لنقاش دار في ورشة عمل نظمتها إدارة القضايا بمدينة طرابلس بتاريخ: 7 سبتمبر 2024، تحت عنوان: “مقترحات تشريعية بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية “منظورـ إشكاليات ـ صعوبات ــ حلول”، حيث تناول النقاش محاور ثلاثة:
المحور الأول: ملاحظات عامة.. وتم التأكيد فيها على الآتي:
1. العدالة وتعديل القانون: التأكيد على أهمية العدالة في الدستور وضرورة تعديل قانون المرافعات بشكل شامل، يشمل جميع الإجراءات.
2. التحديث والتكنولوجيا: اقتراح إدخال تقنيات حديثة، مثل التقاضي الإلكتروني، لمواكبة التطورات القانونية.
3. توحيد الإجراءات: دعوة لتوحيد إجراءات التقاضي بين القضاء المدني والإداري، مما يعزز من فاعلية النظام القضائي.
المحور الثاني: مقترحات جديدة: وقد تم في هذا المحور التأكيد على الآتي:
1. الإعلانات القانونية: الاستفادة من النص المصري حول إعلانات الأشخاص المقيمين بالخارج، مما يسهل الإجراءات القانونية.
2. زيادة مواعيد الحضور: ضرورة زيادة مواعيد الحضور أمام المحاكم لضمان العدالة.
3. اقتراحات متعددة لتعديل نصوص قانون المرافعات لضمان وضوح الإجراءات وتفادي الاستغلال.
4. تعديل آليات التظلم: تحسين مواعيد التظلم والإجراءات المتعلقة بها، مما يوفر حماية قانونية أكبر للخصوم.
المحور الثالث: ملاحظات على التعديلات المقترحة والمقدمة في الورشة من اللجنة المشكلة من رئيس إدارة القضايا في الخصوص، وانحصرت الملاحظات في الآتي:
1. عقوبات غير عملية: انتقاد الاقتراحات التي لا تحدد آليات تطبيق العقوبات.
2. تعديلات غير ضرورية: الإشارة إلى عدم الحاجة إلى بعض التعديلات المقترحة، مثل زيادة مدة الطعن أو تغييرات على الاختصاص المحلي.
3. تحذيرات من آثار التعديلات: بعض الاقتراحات قد تفتح المجال للتلاعب أو التأخير في العدالة، مثل المقترحات المتعلقة بإجراءات الطعن.
والخلاصة، أن ثمة رغبة قوية في تحديث نظام المرافعات الليبي بما يتماشى مع المعايير الدولية، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على العدالة ووضوح الإجراءات، مع دعوات لتحسين آليات التقاضي وتفادي التعقيدات القانونية التي قد تؤثر سلبًا على العملية القضائية.