مقالات الرأي

قراءة في كتاب (حفرة الدم.. حقيقة سقوط طرابلس)

 بقلم/ عبد الرحمن الجعيدي 

لمؤلفه الدكتور مصطفى الزائدي والصادر في مصر عام 2015 وعدد صفحاته 310 صفحات.

قدمه لي الدكتور الزائدي، عبر رفيق وصديق عزيز علي موسى سويسي، يروي أحداثًا وشواهد عما تعرضت له ليبيا حتى ما قبل 2011.

وإذ يصف المؤلف في الإهداء بالخواطر، إلا أنها جولة عميقة في تاريخ المنطقة الغربية من بلادنا، متألما أن شهد وغيره من الليبيين عهد انكسار الوطن.

وبعد أن قدم عرضًا تاريخيًّا لتاريخ طرابلس كمقدمة تبرر اختياره العنوان مستعرضًا تاريخ وحال طرابلس منذ القدم.

(حفرة الدم) اسم يطلقه أهل طرابلس من القبائل العربية على مدينتهم التي كانت عبر التاريخ من أهم الواحات على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط.. لقد كانت طرابلس حتى منتصف القرن الماضي، مدينة صغيرة يحيط بها من كل الجوانب حزام من الكثبان الرملية في صورة فريدة رائعة تلتحم فيها مع الكثبان العالية بأمواج البحر الهادرة في تاجوراء وجنزوز، ويفصلها سهل الجفارة، قفار خالية ظلت بلا أثر للحياة حتى نهاية الستينيات.

ويختم قائلًا: طرابلس حكاية من جملة حكايات عديدة، هي واحة للصراع المستمر دون مبررات اقتصادية، فلقد كانت فقيرة في كل شيء، وهي ملتقى الرمال والبحر وحواديت القراصنة وزوجات السلطان، هي ميناء القراصنة المفضل، ومعركة التمرد الدائم، وحكايات سقوط طرابلس تتكرر، تنطلق معركة النهوض ودومًا مزيد من الدماء.

بعد قراءة أولية في الصفحات الأولى من الكتاب، والذي أدعو -وربما الدعوة متأخرة- لمطالعته برؤية وإمعان ودونما أحكام مسبقة عن المؤلف، أدعوهم وخاصة أنصار ثورة الفاتح والنظام الجماهيري وأنصار سيف الإسلام معمر القذافي والمهتمين بالشأن الليبي، إذ يقول المؤلف صراحة ودون مواربة ما على نظام معمر وما عليه، في معالجة الأحداث التي وقعت في ليبيا وحجم التآمر المحلي والإقليمي والعالمي إعلاميًّا وسياسيًّا وعسكريًّا لأجل إسقاط ثورة الفاتح والتخلص من قائدها حتى بالاغتيال، ويسجل كيفية تغلغل القوى الإسلامية واختراقها لمشروع ليبيا الغد.

وحسب اعتقادي أن هذا الفصل من أخطر فصول الكتاب، إذ يستند على وقائع قد تزعج وتستفز أنصار سيف الإسلام، لذا دعوت الجميع إلى قراءة هادئة لا انفعالية.

وهذا التقييم الذي وصلت إليه خاص بي، وقد أكون مخطئًا فيه، لكنني أتصور أن الزائدي أوصلني بكلماته إلى أن سيف الإسلام خدع مثلما خدع السيد البغدادي المحمودي أمين اللجنة الشعبية العامة من الأتراك، ووثق في عهودهم ومواقفهم وخصوصا من أردوغان.

هي وقفة سريعة وربما متأخرة إذ لم يسبق لي الحصول على نسخة من كتاب (حفرة الدم حقيقة سقوط طرابلس)، وجدت نفسي أسترجع ما حدث، وأيضًا ما كنت أعيشه طفلًا في الستينيات في طرابلس مستنقع الأكواخ والأمراض ورمال جنزور والسواني، وفقر مدقع حتى السبعينيات حين غيرت ثورة الفاتح ملامح الحياة في مدينتي طرابلس التي لا تموت وإن انكسرت.

يجبرك المؤلف بسرده المنسق على تلقف صفحاته في جلسة واحدة، ولكن مع عودة له للتأمل والتركيز.. وربما لي عودة.

————-

دونت في مرة سابقة انطباعات قارئ لهذا الكتاب من تأليف الدكتور مصطفى الزائدي، ودعوت إلى مطالعته برؤية وهدوء وبلا انفعال على ما ورد فيه من وقائع وتوثيق وآراء ومواقف للمؤلف الذي يعتبر من مؤسسي حركة اللجان الثورية ومن قيادات العمل الشعبي الاجتماعي.

وقد تلقيت عديد الآراء والمواقف بصفحتي، بعضها مؤيدة وأخرى لها وجهة نظر فيما قاله وخاصة في شأن تغلغل القوى الإسلامية لمشروع ليبيا الغد، وتحميله لسيف الإسلام مسؤولية اختياره للعناصر التي اندست في صفوف خطوته نحو إحداث تغيير سياسي تدريجي في الجماهيرية، إذ يعتقد وربما يجزم الزائدي أن اختيارات سيف الإسلام جانبها الصواب، وربما خدع فيها.

فيما أعتقد أن المؤلف ومن بين السطور كان من معارضي مشروع ليبيا الغد، وله عليه ملاحظات مثله مثل بعض الثوريين، على العموم وجدت في (كتاب حفرة الدم) في قراءة ثانية للعديد من الصفحات، توثيقًا تاريخيًّا للأحداث ومعلومات ربما تنشر لأول مرة حول لقاءات ورسائل واجتماعات سرية.

وفي هذه الوقفة الثانية، أتناول بشيء من الاختصار مواقف وحقيقة ما جرى في تلك الفترة، انطلاقًا من مبادرة القمة الإفريقية للحل، التي أجهضت منذ البدء بفعل التعنت الغربي والإصرار على إسقاط نظام القذافي، والمساهمة العربية الواسعة ماليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا لأجل سقوط الجماهيرية.

وفي كثير من السرد للأحداث يصل المؤلف للقول التالي (تمكن الغرب والعرب من تحقيق هدفهم بالانتقام من معمر القذافي ونظامه)، ويورد معلومات بعضها خفية وأخرى معلومة في هذا الشأن.

يقول حول الموقف الإفريقي: لقد كان الموقف الإفريقي حاسمًا في دعمه للمؤسسات الشرعية في ليبيا.. وأن الأزمة في ليبيا في الأساس ناجمة عن التدخل الأجنبي.. وأن نوايا غربية بالعدوان العسكري مبيتة، ومتخذة من حماية المدنيين لباسًا.

ومستعرضًا مبادرة القمة الإفريقية للحل والاتصالات والزيارات السرية والمعلنة لأجل إيجاد الحلول دون تدخل أجنبي، مركزًا على مبادرة رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما ولقائه بالقذافي، إذ يقول الزائدي إن الرئيس قال للقذافي: إن عليه كعسكري أن يفكر في آلية للخروج من الكمين الذي وضع فيه، وإن عليه اتباع المناورة السياسية المناسبة للخروج من الكمين بأقل خسائر ممكنة.. وعلى عهدة الكاتب (إن القائد اقتنع بالفكرة).

بعدها استعرض المؤلف ما وصفه بالخدعة الفرنسية، ولعل أهم ما أورده هو أن (معركة الرئيس الفرنسي كانت قائمة على القضاء على معمر القذافي).

ويجزم الزائدي أن بداية الدور الفرنسي لم يكن مع بداية الأحداث في بنغازي، بل قبل ذلك بوقت مبكر، ويرى أن أهم محطاته هو هروب ولجوء نوري المسماري إلى فرنسا، ووصفه بأن هذا الهروب المفاجئ بمثابة إضافة لتفاصيل خطة عملية قادتها فرنسا وأدت إلى سيطرة الغرب على ليبيا. ويؤكد أن (المسماري كان لاعبًا أساسيًّا في المؤامرة التي حيكت ضد الثورة).

ويذهب المؤلف إلى أن معمر أفشل حلم ساركوزي في أن يكون زعيمًا أوروبيًّا بمنطقة المتوسط، إضافة إلى دور ليبيا القذافي في تحجيم الاستعمار الفرنسي في إفريقيا.

في مرة قادمة أستكمل القراءة في دور فرنسا وأمريكا وروسيا وإيطاليا والإنجليز والصين والدور العربي وبالأخص التونسي والسوداني والقطري والإماراتي والأردني والجامعة العربية كما ورد في صفحات كتاب (حفرة الدم).

زر الذهاب إلى الأعلى