مقالات الرأي

إضاءات حول المسؤولية الطبية وفقًا لأحكام القانون رقم 17 لسنة 1986

بقلم/ أسماء الفسي

منذ القدم استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية في حكم شهير في يوم 20 مايو 1936 (2) على نشوء عقد بين الطبيب والمريض يلتزم بمقتضاه الأول لا بشفاء الثاني بل بتقديم العناية واليقظة التي تقضيها الظروف الخاصة للمريض، والتي تتفق مع أصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي، ويترتب على الإخلال بهذا الالتزام التعاقدي – ولو بغير قصد – ميلاد مسؤولية من نفس النوع أي المسؤولية التعاقدية، ويعد هذا الحكم نقطة تحول في ميدان المسؤولية الطبية، حيث اعتبر فيه الطبيب مرتبطًا بعقد مع مريضه يلتزم بمقتضاه ليس بشفائه، ولكن أن يقدم له عناية يقظة تقتضيها ظروفه الصحية وتكون متطابقة مع الأصول الثابتة لمهنة الطب وما وصل إليه العلم من تقدم. ولم يحسم هذا الحكم طبيعة مسؤولية الطبيب باعتبارها تعاقدية فحسب، وإنَّما حدد نوعية التزامه باعتباره التزامًا ببذل عناية، فالحكم أكد أن العقد الطبي لا يلزم الطبيب بشفاء المريض، وإنَّما يوجب عليه معالجته بانتباه ويقظة وصدق وضمير وفقًا للمكتسبات العلمية المستقرة. وعليه فمتى بذل الطبيب القدر الكافي من العناية المطلوبة منه برئت ذمته ولو لم يشف المريض.

متى تقوم المسؤولية الطبية للطبيب؟ 

وفقًا لنصوص قانون المسؤولية الطبية رقم 17 لسنة 1986 فإن مسؤولية الطبيب تقوم عند نشوء الخطأ المهني الناشئ عن ممارسته لعمله كطبيب سبب ضررًا للمريض، ويعتبر خطأ مهنيًا كل إخلال بالتزام تفرضه التشريعات النافذة أو الأصول العلمية المستقرة للمهنة، كل ذلك مع مراعاة الظروف المحيطة والإمكانيات المتاحة، ويعد نشوء الضرر قرينة على ارتكاب الخطأ أو الإخلال بالالتزام، كما جاء في نص المادة 23 من القانون المذكور بأنه لا يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسؤولية الطبية قبل وقوع الضرر، ويقع باطلًا كل اتفاق على ذلك، كما لا تقوم المسؤولية الطبية إذا كان الضرر ناشئًا عن رفض المريض للعلاج أو عدم اتباعه التعليمات الطبية رغم نصحه بالقبول، وتنعقد مسؤولية الطبيب الناتجة عن الخطأ الطبي عندما يتوفر عدد من الشروط، منها:

وجود خطأ طبي: يجب أن يكون هناك فعل أو إغفال من الطبيب لا يتماشى مع المعايير الطبية المتعارف عليها.

وجود ضرر: يجب أن يتسبب الخطأ في ضرر للمريض، سواء كان جسديًّا أم نفسيًّا.

وجود علاقة سببية: يجب أن يكون هناك ارتباط مباشر بين الخطأ الطبي والضرر الذي لحق بالمريض.

إثبات الخطأ: يجب على المريض أو من ينوب عنه إثبات أن الطبيب ارتكب خطأً.

عدم وجود مبرر قانوني: يجب أن يكون الخطأ غير مبرر بظروف استثنائية مثل حالة طوارئ طبية.

إذا توافرت هذه الشروط، يمكن أن تنعقد مسؤولية الطبيب وقد يواجه دعاوى قضائية أو إجراءات تأديبية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى