مقالات الرأي

على أوتار أنشودة المقاومة

بقلم/ عفاف الفرجاني 

ما كدت أصل إلى مطار رفيق الحريري في بيروت حتى انطلق صوت الرصاص وأخبار تتناقلها أكبر وكالات الأنباء عن هجوم سيبراني قام به العدو الإسرائيلي على إخوتنا في المقاومة اللبنانية بجنوب لبنان ليحصد أرواحًا ويوقع جرحى، كل من هاتفني للاطمئنان، شعر بأنه يفعل ذلك لتذكيري بحماقتي، لدخولي أرضًا ساخنة مهددة في كل لحظة من أعتى عدو عرفته البشرية لا أخلاق ولا رحمة له.

أرد مجاملة وفي داخلي بركان من التحدي واليقين بأننا شعوب خلقت لتنتزع حقوقها انتزاعًا، أنا مؤمنة بأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ففي وسعنا التحدي والمقاومة، قد لا أملك ما أقدم للقضية الفلسطينية والمقاومة في لبنان ولكن كوني مواطنة عربية سأعيش مع أهلنا المرابطين صمودهم ولو لفترات وجيزة، وحده القدر من جعلنا بعيدين جغرافيًّا، ليدفع عنا إخوتنا ضريبة أن يستوطنك غازٍ.

ففي الوقت الذي يغتال فيه عناصر المقاومة الباسلة، تدق أجراس الكنائس وترفع أصوات المآذن ويعلو إيقاع الموسيقى وزغاريد أمهات الشهداء، هذه الحالة السريالية تعيشها لبنان في كل ساعة، لتجعلنا نعانق نوعًا آخر من الصمود، صمود يسمو فوق مستوى حروبنا الأهلية الصبيانية، وبكائنا على سقف السيولة المالية وانقطاع الكهرباء، وعدم الحصول على فيزا سياحية لأوروبا، إنه صمود آخر، تباركه السماء ويرضى عنه الله، إنه صمود وطن ضد عدو غاصب محتل.

هذا البلد الذي تبنَّى قضية كل العرب في الحرب الإسرائيلية في زمن التطبيع، لم يستكن يومًا، فمنذ اتفاقية ترسيم الحدود في سنة 1949 وهي الحدود التي تم تثبيتها في اتفاقية “بوليه- نيوكمب”، لم ينعم لبنان بالاستقرار، فالعدو لا ميثاق له ولا عهد، فقد قام بخرق الاتفاقية والهدنة بشكل متكرر ومستفز، وعملوا على التوطين الإجباري، بالرغم من أن هناك ما يقارب من 50 مراقبًا دوليًّا، برعاية الأمم المتحدة حينها، إلا أن الأخيرة لم تعد موضع ثقة منذ زمن، لأن ما يحدث اليوم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، فقد تم تسجيل نحو 140 اعتداء على لبنان في أول عشر سنوات من عمر الهدنة، وزاد عدوان الصهاينة مضاعفًا منذ 1965، وهو تاريخ تشكيل حركات التحرر بالمنطقة، وخاصة إثر تشكيل حركة (فتح)، ومنها لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى ساعة كتابتي لهذا المقال، والعواجل مستمرة على شاشات التلفزيون، ولبنان مصرٌّ على التنقيب، يستخرج ينابيع الفرح من الصخور يهديه لأبطال المقاومة، ويقيم المهرجانات الفنية ويدعم المعارض التشكيلية وينتج المسلسلات الدرامية ويدعم رياض الأطفال ويهتم بدور المسنين.. إلخ.

أنا مسكونة بنضال الشعب اللبناني حدَّ الامتلاء، فلا قنابل العدو الصهيوني أرهبته، ولا أصوات تخترق جدار الصوت أرجفت ريشة وقلمًا، ليس بالمقاومة المسلحة فقط يقهر العدو، بل الحياة بمظاهرها تقتله.. حتى النصر يا فلسطين.

زر الذهاب إلى الأعلى