مقالات الرأي

الصراع مع الواقع 

بقلم/ المهدي الفهري

التعبير عن الألم بالكتابة أو من خلالها يشعرنا ضمنيًّا ومرحليًّا بالخروج من حالة الاكتئاب وملء الفراغ النفسي، فالكتابة عامل مهم من عوامل طرد الطاقة السلبية، ورغم أن الكاتب عادة ما يكتب للمحيط الذي حوله ويقدم الخيارات الأدبية التي تحمل صورة الموقف والمكان إلا أنه سرعان ما يبدأ بالبحث عمّن يمنحه الإحساس بالوجود وبالانتماء، ومن يحمل الأفكار الأكثر نقاء وعطاء وخصوبة ويتقاسم معه نفس الشجون والهموم لتلافي وتبادل الآراء والتفتح على الثقافات الأخرى، ويدفعه إلى التحدث بلغة ولسان الواقع وعدم الارتهان للظروف الراهنة وهو الأهم مما يخفف من عبء الوزر ووزر الوجع وآثارهما القاسية، فلكل حقبة زمنية آثار معينة يتم تكريسها وتوظيفها في مواجهة الأزمات مما يستوجب علينا اكتشافها عند الضرورة والعودة إليها عند الحاجة للاستفادة منها في معالجة أوجاعنا وآلامنا وبما يدفعنا للتصالح مع الذات في عالم اليوم الذي يرسخ سياسة الأمر الواقع ويفتقر إلى الاستثمار في البعد الإنساني، ويحتاج إلى تولد نظريات جديدة تهتم بالعلوم السلوكية وتظهر فيه الحاجة الماسة إلى وضع تصور وتطور ومبادرات تعطي الأولوية للجوانب النفسية والمعنوية لأهميتها.

ومع أن الاحتكاك بالآخرين يحمل نكهة مميزة فإننا قد نحتاج في مرحلة عمرية معينة إلى العزلة والجلوس بمفردنا ومحاولة التغلب على الأزمات بأنفسنا واعتبارها أفضل وقت للتفكير والانطلاق في تغيير الواقع، وفي وقت لا ينبغي أن نخجل فيه من أخطائنا، بل نتعلم منها، ولا يجب أن نستحي من أحاسيسنا ومشاعرنا، فنحن بشر وعرضة للخطأ والصواب مع كامل ثقتنا بأن المثقف هو أيضا جندي في ميدان عمله ويحمل رسالة وهدفًا جوهرهما زيادة مستوى الوعي ورفع الغبن عن الآخرين، فالوعي والثقافة عوامل ترفع من مستوى الطموح في الوصول إلى إنجاز أعلى وتجاوز الأزمات وتفرض موقفًا معينًا يحتم علينا أحيانًا التقاطع والتقارب مع الآخرين الذين يحملون نفس الأفكار ونفس الرؤى والتعامل معهم، وتجبرنا أحيانًا أخرى على الالتقاء والتوافق مع الشخصيات الجدلية المخالفة لنا في الرأي بدون خوف من ردود الأفعال والتفسيرات السيئة وخاصة في مجتمعنا الشرقي الذي عادة ما يحمِّلنا قيودًا أقرب إلى الانغلاق باسم تفادي وتجنب الاندماج في العولمة، والحفاظ على الخصوصية في إطار العادات والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها، وفي انتظار عالم جديد لم يولد بعد لعله من المفيد في صراعنا مع هذا الواقع المتقلب الاهتمام بدراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية وخاصة علم النفس والاجتماع والآداب والدعوة إلى تكريس ثقافة القانون، وشحن الذاكرة والقدرات العقلية التي تدعو إلى الوحدة والصمود أمام ارتداده وانعكاسه السيئ الذي يسعى إلى تغيير نواميس الطبيعة وتحدي القوانين والأعراف الوضعية والسماوية للاستحواذ على عقولنا قبل مواردنا، وللتدخل في كل شاردة وواردة في كل مرحلة من مراحل حياتنا مستغلا المتغيرات السياسية الدولية اليومية لتجييرها لصالحه وتحقيق أهدافه ومخططاته على حسابنا، ونحن على يقين بأن هذا الواقع ومتغيراته لا يستطيع أن يهزمنا في أي معركة ما لم يتمكن من هزيمتنا نفسيًّا.

زر الذهاب إلى الأعلى