مقالات الرأي

درنة تبتسم

 بقلم/ فرج بو خروبة

حتى لو كانت ابتسامة مكسورة حزينة، لا تزال درنة الزاهرة ضاحكة مستبشرة وهي التي كم تجرعت من غيظ وحزن جراء طوفان دانيال الجارف، الذي جاء على كل شيء جميل، سلب منها على حين غرة أعز الناس، وأجمل الأماكن، وشيئًا من عبق الماضي، فقدت كل ما فيها من مشاعر وأحاسيس، كلام عن الذكريات، حكايات، سرديات، قصص، وحب في حياة الناس، مهما حاولت النسيان، إلا أنّ الذكريات تبقى محفورةً داخلها، تذهب بها لعالم بديع تتذكر فيه أجمل اللحظات، حتى وإن كانت مؤلمة يبقى لها مذاقها العذب الذي لا يستمرئه إلا متيم بها.

مأساة هذه المدينة المكلومة كارثة إنسانية، قبل أن تكون طبيعية وإن كانت كذلك، فدرنة الشلال، الوادي، المغار، الكوي، بو منصور، باب شيحة، درنة الصحابة، البياصة الحمرا، درنة الساحل الشرقي والساحل الغربي، البلاد، باب طبرق، الجبيلة، الفتايح، ووادي أمبخ، وناديها دارنس والأفريقي، وشوارع المدينة القديمة: الفنار، فائق شنيب، إبراهيم الأسطى عمر، البحر، الصوان، الجامع، الكنيسة، اليهود، والكورنيش، وأسواقها العتيقة: الظلام، الفردة، الخضرة، الفندق، التوانسة، والخرازة.

درنة الزهر والياسمين، درنة الجبل والبحر، في لحظة من لحظات القدر القاسية، راح كل ما يميز هذه المدينة الزاهرة من أهلها وسكانها، ومن كوادرها التاريخية، والتراثية، والأثرية، لم ينج من هذه الظاهرة الكونية التي طالت القسم الأكبر من النخب، الكتاب، المثقفين، الشعراء، المؤرخين، المفكرين، والعلماء، ها هم قرابة العشرة آلاف من السكان بين شهيد ومفقود! في برهة من قبضة الموت المفاجئ. 

وبعد مضي عام من تاريخ هذا الوجع، تنفض درنة المدينة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تتلاشى من على الأرض ويطويها التاريخ، تنهض من جديد لتنفض غبار الألم بعزيمة وإصرار وصبر على ما تبقى من أرواح أبنائها، الذين كانوا في حاجة إلى أن يتعلقوا بالوطن، الذي كان هو المكان الوحيد لهم في تاريخ المدينة، التي تعد عاصمة للثقافة والتراث منذ عهد بعيد.

درنة اليوم وبسواعد أبناء الوطن الخيرين، وفي لفتة كريمة عنوانها قادمون نحو إعادة المدينة لسابق عهدها وأحسن، بادرت إدارة صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا إلى آفاق أوسع لجعل درنة البلد والمدينة، وجهة سياحية جاذبة للاستثمار السياحي والتجاري والثقافي والاقتصادي، وذلك من خلال البدء في مشاريع تنموية جديدة، تسهم بشكل مباشر في تحقيق رؤية الدولة لهذه المدينة التاريخية، وليس الفعل كما القول، وفي أقل من ستة أشهر تم البدء الفعلي بتوقيع عقود إنشاء بلغت 243 مشروعا موزعة على أحد عشر تصنيفا ونوعا من الخدمات الأساسية التي تم تنفيذها حتى وصلت نسب إنجازها إلى 60‎%‎، ناهيك عن الاحتفاء بافتتاح عدد من المشاريع الصحية والتعليمية والترفيهية والمرافق الدينية مثل مسجد الصاحبة، وذلك بعد الانتهاء من الصيانة مؤخرًا في حلة جديدة كانت محل ترحيب كبير من الزوار الأجانب الذين قدموا إلى درنة للوقوف على مدى التطور الذي تشهده المدينة، والذين أشادوا بأداء هذه الأعمال، وسرعة الوصول إلى أفضل النتائج في وقت قياسي، أسعدت كثيرا أهل درنة، الذين عبروا فرحين بما حققته هذه المشاريع من نهضة تنموية في مختلف القطاعات الحيوية بالمدينة، التي واكبت عيد المولد النبوي الشريف، المتزامن مع الذكرى الأولى لاجتياح الفيضان المدمر، وذلك بخروجها في مجموعات معبرة عن مدى حبها لرسول الأمة صلى الله عليه وسلم، وحبهم لدرنة الصحابة رضي الله عنهم، وشكرهم لمن صنعوا لها البسمة بعد يأس وقنوط، “وقَد يَجمَعِ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَ ما يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَلّا تَلاقِيا”، لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات، وهذا ما حدث بالفعل في درنة العائدة إلى روح الوطن وكلها مباهج بالمواويل والغناء وزفات العرس الجماعي الصادحة بآيات الشكر والثناء درنة يا جنة الأزهار، يا زهوة كل الزوار.

زر الذهاب إلى الأعلى