نقطة تحول
بقلم/ فرج بوخروبة
التحول هو تلك اللحظة السحرية عندما تتجاوز فكرة أو اتجاه أو سلوك معين عتبة جديدة، ويتدفق وينتشر بسرعة هائلة، تمامًا مثلما يمكن لحدث ما، في لحظة ما، في حياتنا السياسية، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة أن يخلق فارقا في الوعي العام، أهم هدف لهذا الحدث هو أن يقيّم الإنسان أوضاعه الحالية، وأن يتخذ قرارات لإعادة تنظيم حياته، مستفيدا من تجارب تاريخية لصناعة نقطة التغيير الإيجابي، ومن هذا المنطلق قامت ثورة الكرامة 2014 التي انحازت فيها للوطن وانتصرت له، بعد أن خاضت معركة تحريرية ضد الإرهاب، دفع فيها آلاف الجنود من أبناء الشعب الليبي أرواحهم الزكية فداء لهذا الوطن العظيم.. وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأت حرب من نوع آخر، عمادها الإعمار والتنمية والازدهار الاقتصادي والأمن الاجتماعي، ودون ضجيج أو خوف من الفشل أو الخسارة، كانت الإرادة هي الأساس لتحقيق الهدف المنشود، وهو الفوز على أرض الواقع في مواجهة التحديات والأزمات الطارئة.
وتحت شعار “من التهميش إلى الإعمار” كانت القاهرة سبها على موعد مع التحول الكبير.. عانى الجنوب في سنوات ما بعد فبراير، مرارة العيش، وانعدام الأمن والاستقرار والسلام.
وفي غياب الحرية وتعميم العنف يتفاقم اليأس في دواخله ومن حوله، في ظل الظروف القاسية والصعبة حيث أصبحت الحياة شبه مستحيلة مع غياب الغذاء، وانقطاع كامل للكهرباء والمياه والوقود والغاز ولأبسط مقومات العيش الكريم.. حتى سبع سنوات مضت كان الجنوب غارقا في الفوضى والحروب الأهلية، وانتشار الفساد والفقر والبطالة، تحت وطأة الظلم والقهر الذي ساد الجنوب تلك السبع العجاف، ناهيك عن الحدود البرية المشرعة كوكالة بلا بواب، من ناحية تشاد، ومالي، والنيجر وغيرها من دول المصدر للهجرة غير القانونية، قاوم الجنوب هذا القهر والجور والإجحاف، في سبيل القضاء على الفساد الإداري والمالي، الذي يهدد حياة الناس في تلك المناطق الموبوءة، من ناحية انتشار الفقر والبطالة، والأمراض المزمنة، والفوضى العارمة في المجتمع الجنوبي، وخاصة بعد انهيار الأجهزة الحكومية، والعسكرية، والأمنية التي لم تعد قادرة على مواجهة أفواج الهجرة غير النظامية التي غزت الجنوب بشكل كامل، وأصبحت جزءا أساسيا من مكوناته عنوة، بمساعدة تجار البشر، والأسلحة، والذخائر والعتاد والمعدات الحديثة، التي كانت قد ساهمت في إخضاع الناس إلى هذه الوسائل، أو التعايش معها.
وما أن لاحت بوادر الاستقرار على يد الجيش العربي الليبي، حتى سارع سكان الجنوب إلى الالتفاف حوله ومباركة قدومه، لخلاصه من عبودية تجار الحروب وويلاتهم، وبعد بسط الجيش سيطرته الكاملة وطرد ميليشيات ما يسمى بالقوة الثالثة، وتأمين الحدود الجنوبية بالكامل، ها هو الجنوب يتنفس الصعداء بعد أحلك أيامه، حتى أصبح في مقدمة أولويات الحكومة وأجهزتها التابعة لها، التي كانت في الموعد المحدد، حيث أعلنت عن مشاريع التنمية المستدامة والإعمار لكافة مناطق الجنوب الذي تعززت بانطلاقة مؤتمر إعمار الجنوب بحضور كل من رئيس مجلس النواب، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس الأركان العامة للجيش الليبي، والمدير العام لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وبعض أعضاء مجلس النواب، ووزراء ومدراء إدارات ومؤسسات الدولة المختلفة، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات العامة من رؤساء الجامعات، والشخصيات الاجتماعية، والإعلامية، والثقافية بشكل عام، كل هذه الشخصيات التي حضرت المؤتمر كانت الشاهد على هذا العرس الخرافي، والتحول “من.. إلى” كواقع ملموس يجني ثماره أهلنا في الجنوب الحبيب، لينعم بالأمن والاستقرار والرخاء والازدهار.. وعودة الحياة.