ماذا يريد الاحتلال أكثر من ذلك؟
بقلم/ محمد علوش
سؤال يرادوني وأنا أتابع بقلق وأعيش مع أبناء شعبي هذه المعاناة القاسية والظروف الصعبة التي يحاول الاحتلال من خلالها فرض العقاب الجماعي وتنفيذ المخططات والسياسات العدوانية التي أقرتها حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو، حيث تسابق الوقت لتكريس الهيمنة الاحتلالية المطلقة على الأرض الفلسطينية وتنفيذ ما تسميه حكومة الفاشية والعنصرية الإسرائيلية بخطة الضم وحسم الصراع لصالح المشروع الصهيوني باعتباره التجسيد العملي لأحلام وأوهام الحركة الصهيونية تاريخيًا بالسيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية وتهويدها وأسرلتها.
وعودة إلى السؤال.. ماذا يريد الاحتلال، وأنا الذي أعيش في مدينة طولكرم والتي تشهد خلال الشهور الأخيرة عدوانًا إسرائيليًا شاملًا وواسعًا يستهدف التدمير والتخريب الممنهج لكل ما يمكن لآليات وجرافات الاحتلال أن تصل إليه، إلى جانب أعمال الإرهاب المنظمة وعمليات القتل وإعدام الشبان بدم بارد وبرصاص الحقد من قبل جيش الاحتلال الذي لا يمكن وصفه كجيش حقيقة، بل كميليشيات إرهابية، فما يقوم به هؤلاء لا يمكن أن يقوم به جيش له قيم العسكرية والانضباط والامتثال للقرارات والتعليمات، وهذا ما يدعوني إلى التأكيد اليوم على تلك المقولة التي لطالما سمعناها من قبل وهي أن لكل دولة جيشا في خدمتها وواقع كيان الاحتلال أن هناك دولة في خدمة الجيش باعتبار أن الجيش هو الدولة وهو الميليشيا بذات الوقت.
ما تتعرض له محافظة طولكرم، مدينتها ومخيماتها وبلداتها وقراها، هو بالأساس التعبير الحقيقي للعقلية الاحتلالية الإجرامية والاستبداد والقهر ومحاولات الإحلال والاقتلاع والتهجير وزرع الخوف وفقدان الأمل عند أبناء شعبنا، حيث يعود الاحتلال في كل مرة، وفي كل اجتياح ليمارس أبشع صور الإرهاب والتخريب تطبيقًا لإعلان أحد أقطاب حكومة الاحتلال الإرهابي سموترتيش الذي طالب بتحويل طولكرم إلى مدينة للخراب، وهو ما يقوم به جيش وميليشيات الاحتلال في كل مداهمة وفي كل عملية عسكرية والتي باتت عملًا شبه يومي، وتقوم آليات الاحتلال بالتخريب واستهداف البنى التحتية بشكل جنوني وهمجي وتحاصر المشافي وتغلق الطرقات وتمنع انتظام العملية التعليمية في المدارس والجامعات وتنشر حواجزها العسكرية وتغلق المحافظة ككل بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية، وتعيد التخريب مرة تلو أخرى لتزرع الخراب في طولكرم التي يقطنها قرابة ثلاثمائة ألف فلسطيني، وهي المدينة القريبة إلى حدود فلسطين التاريخية التي تتعرض وتعرضت دومًا لإرهاب منظم ووحشي من قبل جيش الاحتلال وفي عهد كافة حكومات الاحتلال المتعاقبة، ودائمًا ما يكون التهديد والوعيد لطولكرم من قبل وزراء الاحتلال وقادة جيشه ومن قبل زعماء الحركة الاستيطانية ومن الصحافة الإسرائيلية التي تحرض وتدعو إلى تدمير طولكرم باعتبارها مرتعًا وبيئة حاضنة للإرهابيين كما يزعمون!
الأعمال الوحشية التي يرتكبها الاحتلال غير مسبوقة من ذي قبل، فرغم كل ما عاناه شعبنا من قبل من النكبة، إلا أن هذه المرحلة المعيشة في طولكرم وفي غيرها على امتداد الوطن الفلسطيني المحتل وإلى جانب جرائم الحرب والإبادة الجماعية وإرهاب الدولة المنظم والتطهير العرقي في قطاع غزة تمثل أكبر نكبة في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث، فالقضية اليوم مختلفة والتهديدات حقيقية لاجتثاث أبناء شعبنا من الوطن وفرض التهجير القسري والاستمرار في مشاريع الضم واحتلال الأراضي الفلسطينية وتقويض أي حل سياسي يستند لقرارات الشرعية الدولية ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد أكثر من مائة عام من نضال شعبنا دفاعًا عن حقه في الحرية وتقرير المصير ودحر الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الكولونيالي عن أرض وطننا الذي لا وطن لنا سواه.
لم ولن يتسلل اليأس إلى شعبنا أبدًا، رغم كل ما يعانيه من طغيان وجبروت الاحتلال والإدارة الأمريكية وما يقع عليه من ظلم تاريخي من قبل المجتمع الدولي الذي فشل في الحفاظ على سلام واستقرار العالم أمام الهيمنة والوحشية الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا خيار أمام شعبنا إلا خيار الصمود والنضال ومواجهة سياسات وإجراءات وممارسات الاحتلال وتقديم المزيد من التضحيات، فالحرية والكرامة لها ثمن، وشعبنا لن يبخل في دفع أي ثمن في سبيل حريته الناجزة واستعادة كرامته الوطنية والإنسانية، ليعيش كريمًا في وطنه، وطن الحرية والأحرار.
والرسالة اليوم يجب أن تكون واضحة، وهي الرسالة المتعلقة بحق شعبنا بالنضال ورفض كل المشاريع التصفوية التي تريد النيل من قضيتنا ومن هويتنا ومن مشروعنا الوطني، وعهد شعبنا دائمًا كان عهد الأحرار ألا تراجع أبدًا عن مسيرتنا الوطنية والنضالية، وأننا قادرون على انتزاع حقوقنا الوطنية العادلة، ولن نبقى إلى الأبد ضحايا لهذا الظلم التاريخي، وهي دعوة أيضًا لكل من تسبب لنا بهذا الظلم الذي وقع علينا للإسراع في معالجته قبل فوات الأوان، والتاريخ لن يرحم، ونحن أيضًا لن ننسى ولن نغفر.