مقالات الرأي

تواطؤ المجتمع الدولي

المهدي الفهري

فقدان الثقة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الإرث الزائف للثورة الفرنسية وغيرها من الثورات التي ادعت تفوقها الأخلاقي على سائر حضارات العالم وما تلاها من محاولات يائسة لفرض الأفكار الغربية ضمن استراتيجية حروب الإعلام ودعاياته الجوفاء وخطابه القائم على التمويه القيمي هو ما يثبت عجز وزيف هذه الشعارات وهي التي تخفي شعوبها اليوم ما ارتكبه أسلافها من جرائم وما قامت به حكوماتها من حماقات في حق الآخرين خلال فترة استعمارها لشعوبنا، ويوحي أيضًا بأن سياسة زرع الخوف في قلوب الناس لن تجدي نفعا ولن تدوم طويلًا، وإن غفلة وغياب وحتى غباء هؤلاء لن يدوم إلى الأبد، وإن هذه السياسات والممارسات لا تسقط بالتقادم.

ولابد أن يأتي اليوم الذي تستيقظ فيه هذه الشعوب من سباتها وتطالب بحقها في الاعتراف والاعتذار والتعويض عما أصابها من ضيم وما لحق بها من أذى وما مسها من لغوب جراء تلك الأحداث، وإن المعارك الحقيقية السائدة في العالم اليوم هي تكرار لنفس الأفكار واستمرار لنفس المسار وتتويج لنفس النهج والتوجه وتتغلب فيها المصالح على المفاهيم ولا تختلف كثيرا عن ماضيها إلا في مزيد من التعنت والعناد ومزيد من التشدد والتفنن في قهر الشعوب وإذلالها.

ونحن نراها وهي تعيد إنتاج نفسها تحت مسميات وأسباب قديمة جديدة، ولكنها لا تخرج في مضمونها عن النزاع الأزلي والسرمدي بين الحرية والعبودية وما يصاحب ذلك من صراع حول السيطرة والنفوذ وبين حق الجماهير في الحياة بكرامة وبين تجريدها من هذا الحق وما بين الاعتراف بنصيبها في الامتلاك وحرمانها منه وما بين الاستقلالية والقدرة على الاختيار وبين الرضوخ والركون للواقع كما هو، وهي أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة سطو وتسلط وعنجهية، وفي الوقت الذي لا نريد فيه للحقد أن يتجذر في الأرض ويزداد منسوب الكراهية بين بني البشر ونريد للسلام أن يسود ويحل محله ليعم ويشمل كل أرجائها فإننا ندرك أن هنالك في الجانب الآخر من لم يُحسن قراءة التاريخ ومن لا يؤمن بهذه القيم ويحارب هذه القناعات ويسعى لتفنيدها وإسكاتها وما يقابلها من تقصير وتواطؤ كبير على المستوى الدولي ورغبة قوية في إعادة احتلال الشعوب والاستيلاء على مكتسباتها وإخضاعها لسياسات الأمر الواقع وسط سكوت وصمت عالمي رسمي محير ومريب ومخجل في مجمله وليس له ما يبرره .

وأمام تحد صريح للقيم الإنسانية التي تميز الإنسان عن غيره من الخلائق والتي عبث بها هؤلاء المغامرون من أرباب الأعمال والعولمة وتجار السياسة العالمية والغربية خصوصًا والمبنية في أساسها على خلق الأزمات في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وإدارة تلك الأزمات وتوظيفها لصالح هذه السياسات وفي ظل غياب إرادة حقيقية واحدة وموقف وطني وقومي موحد يكون قادرا على الحد من هذا المد التخريبي المتنامي الذي يستوجب في كل مرة قرع ناقوس الخطر وتحقيق الوعي المجتمعي بخطورة هذه المخاطر وتفادي الوقوع في شباك الابتزاز والهزيمة النفسية وعدم الخضوع والاستسلام والوصول إلى قناعة ملخصها وخلاصتها أن ثمن الاستسلام أكبر بكثير من ثمن الصمود والثبات لا سيما في ظل عالم يفتقر إلى قيادة حكيمة قادرة على ضبط إيقاع التحديات التي يواجهها هذا العالم وفي خضم واقع صار يفرض نفسه على الجميع بمنطق القوة ولغة القوة والقوة فقط وأمام صمت وعجز وتواطؤ عالمي غير مسبوق!!

زر الذهاب إلى الأعلى