مقالات الرأي

إضاءات حول المسؤولية الطبية

أسماء الفسي

المسؤولية الطبية، بداية يتعين أن نعلم بأن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، فما هي درجة العناية المطلوبة من الطبيب حتى تتعقد معها عند مخالفتها المسؤولية الطبية.

التزام الطبيب كقاعدة عامة هو التزام ببذل عناية ومطابقة المعطيات العلمية والتطور الطبي وتطابقها مع الأصول المستقرة في علم الطب، من أجل شفاء المريض دون أن يضمن الطبيب الشفاء بحد ذاته، فذلك لا يعني أن الطبيب قد أخل بالتزامه تجاه المريض، لأن هذا الواجب يتضمن الأخذ باحتمالات تتداخل فيها عدة عوامل لا تخضع لسيطرة الطبيب، وعليه فمتى بذل الطبيب القدر الكافي من العناية المطلوبة منه برئت ذمته ولو لم يشف المريض، وتحديد درجة العناية الواجبة فيما يتعلق بالأطباء غير الأخصائيين يكون على معيار الطبيب المتوسط إذا وجد في مثل ظروف الطبيب المدعى عليه، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في حكمها سالف الذكر، حيث جاء فيه “ينشئ هذا العقد على عاتق الطبيب، ما لم يكن هناك اتفاق مخالف التزامًا يقضي فقط بالتعهد باستخدام الوسائل لتحقيق نتيجة الشفاء الملائمة”، وبالتالي فالطبيب لا يلتزم بشفاء المريض، لأنَّه لا يعقل قانونًا أن يكون محل الالتزام حياة الإنسان، وإنَّما يبذل كل ما في وسعه مسخرًا كل الوسائل المتاحة لعلاج المريض وشفائه. ويعد هذا الحكم نقطة تحول في ميدان المسؤولية الطبية، حيث اعتبر فيه الطبيب مرتبطًا بعقد مع مريضه يلتزم بمقتضاه ليس بشفائه، ولكن أن يقدم له عناية تقتضيها ظروفه الصحية وتكون متطابقة مع الأصول الثابتة لمهنة الطب وما وصل إليه العلم من تقدم.

أما في ليبيا فقد نص المشرع الليبي في قانون 86/17 (قانون المسؤولية الطبية) بالقول: “يكون التزام الطبيب في أداء عمله التزاما ببذل عناية إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك”. يتضح من هذا النص أن المشرع الليبي وبحسب الأصل وكقاعدة عامة جعل التزام الطبيب التزاما ببذل عناية. والجدير بالذكر أن التزام الطبيب ببذل عناية يساهم في تحديده عدة ظروف منها: المستوى المهني. يتم قياس واجبات الطبيب المدعى عليه بالمقارنة بطبيب آخر في نفس ظروف تخصصه، مثلا يتم مقارنة أخصائي القلب بآخر يحمل نفس الدرجة العلمية ونفس التخصص ونفس الظروف.

الظروف الخارجية، هي تلك الظروف التي يتم فيها علاج المريض، كموقع العلاج والوسائل المتاحة للعلاج، كأن يعالج المريض في مستشفى لديه أجهزة طبية وإمكانيات علمية كبيرة أو قد يعالج في مكان لا يوجد فيه الإمكانات السابقة، وتكون حالته تتطلب علاجه في مكان وجوده دون نقله إلى المستشفى أو العيادة، وكل ما سبق يأخذ بعين الاعتبار عند وقوع خطأ الجهود الطبية المبذولة من قبل الطبيب في معالجة المريض. يجب أن تكون هذه الأمور متفقة مع الأصول العلمية عدا الظروف الخاصة، ولا يقبل من الطبيب استخدام وسائل طبية قديمة في ظل التطور العلمي الكبير، وعليه استعمال وسائل استقر عليها العلم، وأن يختار أفضلها وأكثرها ملاءمة لحالة المريض ضمن الإمكانيات المتوفرة المحيطة به. وهذه القواعد تحدد التزامات الطبيب عند علاجه المريض سواء وجد بينهما عقد أم لم يوجد، وفي الالتزام ببذل العناية لا تقوم مسؤولية الطبيب إلا إذا أقام المريض دليلًا على تقصير أو إهمال الطبيب في بذل العناية الواجبة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى