الذكرى الخامسة والعشرون لإعلان تأسيس الاتحاد الإفريقي
99.9.9 بداية عصر جديد في تاريخ القارة الإفريقية
إعداد: منيرة الشريف
كانت الوحدة الإفريقية، حلما صعب المنال، لكنها باتت واقعا بجهود الآباء المناضلين، الذين أخذوا على عاتقهم تحرير دولهم من الاستعمار والحفاظ على استقلالها وسيادتها، ليفكروا بعد ذلك في تكوين جسم يجمع دول القارة، يستطيعون من خلاله تحقيق التكامل والاندماج، فكانت الانطلاقة الأولى بتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، استجابة لمطالبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي قاد حركة التحرر الإفريقي، وساهم في إيصال قادة التحرر إلى قيادة الدول المستقلة وفي مقدمتهم “كوامي نكروما، وأحمد سيكوتوري”، ونجح عبد الناصر في الدعوة إلى قمة للقادة الأفارقة وتكررت ثانية في قمة القاهرة عام 1964، ولقد ورث الاستعمار القارة عدة أزمات أهمها الحدود التي وضعها، وقسمت القبائل وزرعت بؤر توتر، لكن القمة عالجت هذه المشكلة، وأصدرت قرارا يضمن الاستقرار ويمنع حدوث صراع دموي بين دول القارة.
وبفضل المنظمة نالت بقية الدول الإفريقية استقلالها، ولكنها لم تنجح في التطور الاقتصادي والسياسي، ولم تتمكن من بناء كتلة على المستوى العالمي، وبعد سيطرة قيادات ثورية في عدد من دول القارة، بعد إنهاء الميز العنصري، في دول جنوب إفريقيا وزيمبابوي، وبوتسوانا، وناميبيا وغيرها، وجدت ليبيا الوقت المناسب لتطوير المنظمة، وانطلاقاً مما تملكه هذه القارة العظيمة من رصيد حضاري ونضالي ومن ثروات بشرية وطبيعية هائلة تمكنها من أن تضع قدميها على الطريق الصحيح في عصر لا مكان فيه لأي كيانات ضعيفة، قرر القادة الأفارقة المجتمعون في مدينة سرت في التاسع من شهر سبتمبر عام 1999 تحت مظلة منظمة الوحدة الإفريقية، قرروا إنشاء الاتحاد الإفريقي، اتحاد يقوم على التعاون والتضامن بين الشعوب الإفريقية، ويطمح إلى أن يصبح لاعبا أكثر أهمية في الساحة الدولية، وأعلن الرؤساء الأفارقة أن منظمة الوحدة الإفريقية التي لعبت أدوارا مهمة في تحرير بلدانهم، لم تعد هي الوعاء المناسب لتحقيق طموحات القارة في الاستقرار والتنمية في عصر التكتلات الكبرى وانحسار الدولة الوطنية، فدشنوا الخطوات الأولى لتأسيس اتحاد بديل أطلقوا عليه الاتحاد الإفريقي، الذي مثل منعرجاً كبيراً وهاماً للعمل الإفريقي المشترك، وأصبح في غضون فترة وجيزة من تأسيسه رقما في المعادلة الدولية.
وسجل الإعلان التاريخي بداية ولادة عملاق عالمي جديد، من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار في العالم، وأن يعمل على إعادة صياغة علاقات إفريقيا الدولية على أسس قوية ومتينة، أساسها الندية والاحترام المتبادل والمنافع المشتركة، ويجعل من القارة قوة عظمى في خارطة العالم الجديد القائم على الفضاءات الكبرى، ليثبت هذا العمل التاريخي أن إفريقيا قادرة على اتخاذ القرارات المؤثرة إيجابياً على البشرية كلها.
فكرة تأسيس الاتحاد الإفريقي
ولدت فكرة إنشاء الاتحاد الإفريقي في منتصف التسعينيات، في ليبيا التي دعت رؤساء الدول الإفريقية المجتمعين في مدينة سرت في 9 سبتمبر، 1999 إلى إنشاء الاتحاد الإفريقي، وأصدر رؤساء الدول والحكومات بمنظمة الوحدة الإفريقية إعلان سرت الذي تقرر فيه إنشاء اتحاد سياسي بين الدول الإفريقية، وكانت رؤية الاتحاد بناء على نتائج عمل منظمة الوحدة الإفريقية من خلال إنشاء الهيئة التي يمكن أن تسرع بعملية التكامل في إفريقيا، ودعم وتمكين الدول الإفريقية في الاقتصاد العالمي ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة الجوانب التي تواجه القارة.
والاتحاد الإفريقي كيان كونفدرالي (تعاهدي) يقترب إلى حد ما من صورة الاتحاد الأوروبي، وفيه تحتفظ كل دولة بدستورها وقوانينها الخاصة وجيشها وعلاقاتها الخارجية، غير أن لهذا الاتحاد صلاحيات اتخاذ قرارات في شأن قضايا الحرب والسلم وموارد القارة الطبيعية، وهناك برلمان للاتحاد ويضم: برلمانات دول الاتحاد، وكذلك محكمة عليا إفريقية تبت في النزاعات المختلفة بين الدول الإفريقية، ومجلس للأمن والسلم.
وقررت الدول التي أقرت الموافقة على المشروع الليبي تفعيل مؤسسات اقتصادية مثل صندوق النقد الإفريقي، والبنك المركزي الإفريقي، وسرعة إنشاء محكمة العدل الإفريقية والبرلمان الإفريقي، وتفعيل جهاز فض المنازعات بزيادة ميزانيته وتزويده بلجان للإنذار المبكر للأزمات المتوقع تفاقمها.
وضعت القمة مبادئ شكلت ثوابت إنشاء الاتحاد الإفريقي، وهي: جعل منظمة الوحدة الإفريقية أكثر فاعلية وأكثر مواكبة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية، وأخذ واستلهام مبادئ الوحدة والانتماء الإفريقي التي أسسها الرعيل الأول من الزعماء الأفارقة تجسيدا للتضامن والتلاحم في مجتمع يتجاوز الحدود الضيقة الثقافية والأيديولوجية والعرقية والقومية، ومتابعة طريق نضال الشعوب الإفريقية واستكماله حتى يتسنى للقارة أن تعيش كريمة مستقلة حرة في الألفية الجديدة، إضافة إلى معرفة وإدراك كافة التحديات التي تواجه القارة الإفريقية، وتعزيز تطلعات شعوبها نحو الاندماج الكلي.
وتضمن إعلان سرت، الإجراءات العملية لبناء الاتحاد:
إنشاء الاتحاد الأفريقي.
تسريع تنفيذ أحكام معاهدة أبوجا، لإنشاء المجموعة الاقتصادية الإفريقية، البنك المركزي الإفريقي، الاتحاد النقدي الإفريقي، محكمة العدل الإفريقية والبرلمان الإفريقي، على أن يُنشأ البرلمان بحلول عام 2000.
إعداد قانون تأسيسي للاتحاد الإفريقي يُمكن التصديق عليه بحلول 31 ديسمبر 2000 ويصبح ساري المفعول في العام التالي.
منح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس جنوب إفريقيا تابو إيمبيكي تفويضًا للتفاوض من أجل إلغاء المديونية الإفريقية.
عقد مؤتمر وزاري إفريقي حول الأمن والاستقرار والتنمية والتعاون.
وعقب الإعلان توالت عدة مؤتمرات توجت بقمة لومي عام 2000، حيث اعتمد القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وفي لوساكا في عام 2001، عندما اعتمدت خطة تنفيذ الاتحاد الإفريقي.
وعقد في مارس 2001 مؤتمر سرت الثاني وهو مؤتمر استثنائي أعلن فيه التوقيع رسميا على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بمصادقة 36 دولة عضوا.
وبذلك حل الاتحاد الإفريقي محل منظمة الوحدة الإفريقية بعد 39 عاما من تأسيسها بأديس أبابا بتاريخ 25 مايو 1963.
وانعقدت الدورة الأولى لـ جمعية الاتحاد الإفريقي في ديربان في 9 يوليو 2002، وعقدت الجلسة الافتتاحية للبرلمان الإفريقي في مارس 2004.
الاتحاد الإفريقي بعد المؤامرة
يواجه الاتحاد الإفريقي، بعد مؤامرة الربيع العربي وإسقاط النظام الوطني في ليبيا واغتيال مؤسس الاتحاد، وضعا حرجا يمكن تلخيصه في الآتي: غياب القيادة ذات الأهلية اللازمة، حتى أن الكثيرين يتوقعون انهيار هذه المنظمة نظرا لأن الاتحاد فقد زعيمه الفكري المعروف بالصرامة والجدية، كما فقد لهذا السبب جزءا كبيرا من ميزانيته المالية.
وثانيا تغول الغرب الاستعماري واستفراده بالقرار الدولي وممارسة مزيد من الضغط على الدول الإفريقية الضعيفة.
وعلى الرغم من الانتقادات المتواصلة بشأن عدم فاعلية الاتحاد الإفريقي وغياب التنسيق المطلوب بين أعضائه، فإنه لا يزال يعتبر في السنوات الأخيرة، على أية حال، أحد الأطراف المفصلية في المجتمع الدولي فيما يخص مسائل تطوير القارة الإفريقية وتذليل الصعوبات التي تواجهها. أما في حال انهيار الاتحاد الإفريقي فقد تزداد بؤر الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة كالتي نشاهدها في الصومال وليبيا والسودان والكونغو وغيرها، وكذلك إضعاف دور الدولة وتزايد نفوذ الجماعات المسلحة غير الشرعية.
ومن ناحية أخرى تتحول إفريقيا التي تتدهور فيها التوجهات التكاملية بسبب مشكلة التنافس الحاد على القيادة الإقليمية إلى ساحة للمواجهة السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الولايات المتحدة وفرنسا من جانب، وروسيا والصين والهند من جانب آخر، وفي ظل غياب القيادة القادرة على مواصلة أنشطة المشروع الإفريقي المشترك؛ ستضطر البلدان الإفريقية على الأرجح إلى البحث، كل على حدة، عن سند خارجي من قوى قادرة على دعمها في توفير الحد الأدنى من الاستقرار على الأقل.
إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد الإفريقي
تحتفل شعوب وأحرار القارة السمراء كل عام بهذه الذكرى، ويأتي إحياؤها هذا العام والقارة تشهد حراكا شعبيا تحرريا ضد رواسب الاستعمار، ويسود منطقة الساحل خصوصاً وعي جماهيري ضد الاستعمار الفرنسي في صحوة شعبية للنهوض بالقارة والتوجه للبناء ومواجهة التحديات التي تواجهها القارة السمراء، حيث انتفض الضباط الصغار بالجيوش، في دول مالي، وبوركينا، وغينيا، والنيجر، والجابون، وقادوا تغييرا مهما عنوانه خروج فرنسا من إفريقيا.
وبهذه المناسبة أصدر حزب الحركة الوطنية الليبية بيانا جاء فيه:
يأتي إحياء الذكرى هذا العام وإفريقيا تعيش حراكا شعبيا ثوريا تحرريا ضد رواسب الاستعمار، وتشهد منطقة الساحل خصوصاً وعيا جماهيريا ضد الاستعمار الفرنسي في صحوة شعبية للنهوض بالقارة والتوجه للبناء ومواجهة التحديات التي تواجهها القارة السمراء، حيث تسعى إفريقيا لأن تكون فضاء فاعلا وسط الفضاءات الكبرى؛ لما تملكه من ثروات وإمكانات ومقومات تؤهلها لتبوء مكانة فاعلة.
وتابع البيان: حزب الحركة الوطنية الليبية يحيي كل الجهود التي يبذلها القادة الأفارقة والقوى التحررية ويثمن الحراك الشعبي الرافض لرواسب الاستعمار البغيض وسياسات الهيمنة والنهب، ويدعو الشباب الإفريقي إلى تبني مشاريع البناء والتحول واستثمار خيرات القارة وقطع الطريق على الشركات الرأسمالية الغربية التي تنهب الموارد، ولا هدف لها إلا تحويل إفريقيا إلى سوق استهلاكي كبير لسلعها ونفاياتها.
وشدد البيان على أن المستقبل الواعد لإفريقيا؛ كونها القارة البكر الغنية بالموارد الطبيعية والقوية بمواردها البشرية ومقوماتها الجغرافية والتي تحتاج للاستمرار في المشروع التحرري والسير قدما على درب القادة المؤسسين للاتحاد الإفريقي.
وكتب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة عبر منشور له بفيسبوك: في ذكرى 9. 9. 99 التاريخ الذي لن يتكرر، من حلم توحيد 54 دولة إفريقية، وإعلان تأسيس الاتحاد الإفريقي، إلى حلم توحيد الدولة الليبية والحفاظ على وجودها ووحدتها الوطنية والجغرافية فقط!!
وكتب وكيل وزارة الخارجية لشؤون التعاون الدولي والمنظمات، السيد/ عمر كتي، على صفحته على فيسبوك: اليوم هو ذكرى تأسيس الاتحاد الإفريقي في 9.9.1999 في مدينة سرت، في إشارة لهذا الحدث الذي ترك بصمة لدى الأحرار من أبناء الوطن.
وبعد مرور 24 عاما، وفي ذكرى تأسيسه، حصل الاتحاد الإفريقي على العضوية الدائمة بمجموعة العشرين خلال القمة التي عقدت في نيودلهي بالهند، السبت 9 سبتمبر 2023م.