مقالات الرأي

المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية أوجه الشبه والاختلاف

بقلم/عبد المجيد قاسم 

الحديث عن مصالحة وطنية أو عدالة وطنية ليس له مسوغ من الواقع، فكلا المصطلحين لا يتم استخدامهما في ليبيا لتحقيق أغراضهما بقدر ما يستخدمان كورقة سياسية، بهدف الاستقطاب السياسي فقط، وما نراه ونسمع به من لقاءات مصالحة لا تضم سوى لاعبين سياسيين، لا خلفية اجتماعية لهم إلا بالقدر الذي يسعون إلى خلقه لتعزيز برنامجهم السياسي.

تلعب المصطلحات دورًا كبيرًا في تشكيل الوعي المجتمعي، وتنميط الثقافة لدى الشعوب، وبلورة الهوية الوطنية التي تتميز بها أمة عن أخرى، والأمر بهذا الشكل يحتاج إلى أفراد، لكنني في هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على مصطلحين أخذا حيزًا من الخطاب العام في ليبيا بعد أحداث العام 2011م، ألا وهما مصطلحا المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، محاولًا على عجالة أن أبين أوجه الشبه، ونقاط الاختلاف بينهما، حتى يتسنى فهمهما للمختصين، وخاصة العاملين في حقل التشريع، وحتى نعلم أي المصطلحين قريب الصلة بالحالة الليبية، لأن الملاحظ وجود خلط بينهما، وقد نصل إلى نتيجة مؤداها أننا لسنا بحاجة إلى مثل هذه الأمور.

فمصطلح المصالحة الوطنية يمكن تعريفه على أنه: اتفاق بين مجموعتين من السكان أو أكثر لصالح تحقيق السلم الاجتماعي. 

وتكون الحاجة إلى قانون مصالحة وطنية عادةً في حالات النزاعات الكبرى أو الانقسامات العميقة داخل بلد ما، ويكون ذلك غالبًا، بعد حروب أهلية، أو صراعات سياسية شديدة، أو فترات من الانتهاكات الحقوقية الكبيرة، فيكون الهدف من وراء سن تشريع في الخصوص تحديد حجم التنازلات ونوعها بين الأطراف المتنازعة، وبناء الثقة، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتقنين آليات للتعامل مع آثار النزاع، مثل تقديم تعويضات للضحايا، وتحديد المسؤوليات، وتعزيز السلم الاجتماعي.

والنموذج الأوضح لذلك هو حالة رواندا، حيث بدأت جهود المصالحة الوطنية بشكل مكثف بعد الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994م، تلك الإبادة التي أدت إلى مقتل نحو 800,000 شخص، معظمهم من التوتسي، وبعد انتهاء تلك الأحداث الدامية، ركزت الحكومة الرواندية على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء البلاد.

وقد نجحت رواندا في تحقيق درجة كبيرة من الاستقرار والمصالحة، برغم صعوبة العملية وتعقدها.

هذا فيما يخص المصالحة الوطنية، التي تشمل ما يسمى العدالة الانتقالية، لكن متى تكون الحاجة إلى قانون عدالة انتقالية؟

تكون الحاجة إلى قانون عدالة انتقالية عادةً في السياقات التي تشهد انتقالًا من نظام سياسي أو اجتماعي يعاني من نزاعات أو انتهاكات حقوق الإنسان إلى نظام أكثر استقرارًا وعدالة، والأمثلة على ذلك تشمل:

1. التغيير بعد النزاعات المسلحة: فعندما تنتهي الحروب الأهلية أو النزاعات المسلحة، تحتاج الدول إلى آليات لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم وضمان تعويض الضحايا.

2. تسوية الأزمات السياسية: عندما يتم التوصل إلى تسوية سياسية بعد فترة من الاستبداد أو الفساد، تكون ثمة حاجة إلى إرساء العدالة وتحقيق الاستقرار.

4. التخفيف من آثار الانتهاكات الجماعية: فعندما يكون هناك سجل طويل من انتهاكات حقوق الإنسان، تحتاج المجتمعات إلى آليات لتوفير العدالة والتعويض.

ويشمل قانون العدالة الانتقالية عادةً آليات مثل المحاكمات الخاصة، ولجان الحقيقة والمصالحة، وبرامج التعويضات، وبرامج الإصلاح المؤسسي لضمان تحقيق العدالة والمصالحة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

إذن فالمصطلحان بينهما عموم وخصوص، لأن قانون المصالحة الوطنية قد يشمل تدابير انتقالية لمحاسبة المسؤولين عن أية انتهاكات بطريقة عادلة، تراعي طبيعة المرحلة، وتسعى إلى تحقيق المصالحة الوطنية. 

ومع ذلك فقد تكون ثمة إجراءات تندرج تحت ما يسمى بالعدالة الانتقالية، دون الحاجة إلى مصالحة وطنية، وذلك عندما لا يأخذ الصراع السياسي شكل الحرب الأهلية، فمجرد الانخراط في الصراع بشكل فردي أو جماعي لا يصنف من وجهة نظري على أنه حرب أهلية، لأن شرط الأخيرة أن تكون الحرب قد أخذت منحى عرقيًا، ونتج عنها ممارسات إبادة عرقية أو ما يشبهها، وهذا لم يكن موجودًا في الحرب التي حدثت في العام 2011م، برغم أنها أخذت شكل التفاعل السكاني، فصنفت المدن على هذا الأساس بعضها ثائرة وأخرى مؤيدة، هذا فضلًا عن أن ما حدث بعد انقضاء الحرب من ملاحقات لم يكن على الهوية، بقدر ما كان على الموقف الشخصي من الأحداث. 

لذا فالحديث في ليبيا عن مصالحة وطنية، أو عدالة وطنية ليس له مسوغ من الواقع، وقد صدر في العام 2012م القانون رقم (27) في شأن إرساء قواعد المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، الذي لم يلبث حتى ألغي وحل محله القانون رقم (29) لسنة 2013م بشأن العدالة الانتقالية الذي لم يتم العمل به، بل ظل حبرًا على ورق، والسبب في عدم تفعيل القانونين أن صائغيهما قد تعاملوا مع الحالة الليبية بشكل غير واقعي، فالقانون الأول تناول المصالحة الوطنية دون وجود حاجة حقيقية إليها، لأنه بمجرد انتهاء الحرب بدأ المجتمع يتعافى من آثارها وبشكل سريع وتلقائي، وظلت فقط تداعياتها السياسية، والقانون الآخر صيغ على نحو غير محايد، كان يمكن أن يعزز الشقاق، لذا لم يتم العمل به. 

لذا فكلا المصطلحين لا يتم استخدامهما في ليبيا لتحقيق أغراضهما بقدر ما يستخدمان كورقة سياسية، وبهدف الاستقطاب السياسي فقط، وما نراه ونسمع به من لقاءات مصالحة لا تضم سوى لاعبين سياسيين، لا خلفية اجتماعية لهم إلا بالقدر الذي يسعون إلى خلقه لتعزيز برنامجهم السياسي.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى