إلى متى في فلك البعثة والوصاية؟
بقلم/ ناصر سعيد
إلى متى وكل مؤسسات الدولة تدور في فلك البعثة؟ تبنى مواقفها وتصريحاتها وبياناتها وفق ما توجه به البعثة، هذا الشعور بالدونية والنقص وعدم تحمل المسؤولية والطاعة العمياء يعكس حقيقة هشاشة المؤسسات وهؤلاء الساسة الذين جاءوا من خلفية مشبوهة مكنتهم من تبوؤ المقاعد التشريعية والتنفيذية، سواء تلك التي جاءت بالاتفاقات السياسية أو بشراء ذمم موظفي البعثة والسفارات وآخرين بالمحاصصة الجهوية وفقًا لقانون المغالبة وسطوة المجموعات المسيطرة بالسلاح، وتقديم القرابين في سبيل البقاء وتحقيق المكاسب الشخصية والعائلية، قرابين ثمنها السيادة الليبية وكرامة الشعب ما بين الاتفاقيات والمعاهدات حول الغاز والنفط مقابل الحماية بالمرتزقة وتقديم أبو عجيلة المريمي قربانًا لأجل سلطة عائلة الفساد، وبلغ الهوان ذروته في التواصل مع العدو الصهيوني الغاصب المحتل لفلسطين للتطبيع معه على خلفية إرضاء الصهاينة في مسلسل سقوط أخلاقي مريع.
جاءت إجراءات إزاحة المحافظ الذي جثم على مصرف ليبيا المركزي لأكثر من ثلاثة عشر عاما، قربانًا لعائلة الفساد التي اختلف معها مؤخرا لأسباب غير معلنة ستتضح قريبًا، والتي بموجبها تم الدفع بالمجلس الرئاسي للصم والبكم للقفز بشراع ممزق يدخل البلد في مزيد من الفوضى والعبث لتتوقف الخدمات ويتعطل حال الناس المحبطة على الدوام نتيجة سيطرة الطغمة الفاسدة على البلاد مستقوية بالحماية الدولية.
فهل سيتحمل المسؤولية التاريخية متصدرو المشهد الليبي اليوم نتيجة سياساتهم الانتهازية والنفعية والجهوية وتشبثهم بالسلطة التي قادت البلاد إلى هاوية التفتيت واستنزاف الموارد والمدخرات؟
إن الأزمة الليبية في الأساس ناتجة عن تدخل أجنبي فج بدون مبرر، وضع ليبيا جورا وظلما تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يعني التدخل المباشر دون الحاجة لأي مبررات أخرى، وهذا ما أراده الناهب الدولي أن تكون ليبيا دولة تحت الوصاية، وهذا واقعنا اليوم، فكل الحكومات لا تستطيع أن تعمل بدون إذن أو تعيين من الخارج.
إن حل هذه الأزمة، وبكل صراحة ووضوح، يتطلب مقاومة التدخل والدور الأجنبي المشبوه، وهو العمل الذي يقع على عاتق القوى الوطنية في أن تتحد لمقاومة هذا التدخل والحد من آثاره، وأن يكون هدف القوى الوطنية هو الدعوة إلى حراك وطني لتحرير واستقلال القرار الوطني، نحن شعب قوي لا يسكت على الضيم ولا ينكسر، له تجارب تاريخية في مقاومة الغزاة والمحتلين وعلى مدى العصور، لا يمكن أن يقبل بالرضوخ تحت الوصاية والاحتلال، ولا يمكن أن يسمح بأن يستمر العبث بليبيا من القناصل والسفراء وموظفي الأمم المتحدة والجنود الأتراك والمرتزقة من كل حدب وصوب.
إن الخروج من هذه الحالة يتطلب وعيًا جماعيًّا بكل هذه المخاطر التي تهدد الكيان الليبي في وجوده، وبهذا نوجه النداء أيضًا إلى كل المتصدرين للمشهد أن يدركوا أن واقع الاحتماء بالأجانب لن يمكنهم من شيء، فما يهم الأجانب إلا مصالحهم لا مصالح الشعوب ولا حتى العملاء، وقد شاهدنا في وقت قريب في أفغانستان عندما خرج الأمريكان منها ماذا حدث للعملاء الأفغان وكيف حاولوا الفرار وهم يتساقطون كالذباب من طائرات الغزاة الهاربة.
إن أسوأ أعمال البناء هي البناء على جرف هار وما تقوم به البعثة وأطراف الصراع الليبي هو البناء على مخرجات المراحل الفاشلة والميؤوس منها، وما بني على باطل سيكون باطلًا بلا أدنى شك.