مقالات الرأي

مقاربة مع فارق الزمان والمكان 

بقلم/ فتح الله سلطان 

غزة المقاومة المحاصرة برًّا وبحرًا وجوًّا منذ أكثر من عشرة أشهر.. أفرادها وسلاحها وذخيرتها تتناقص يومًا بعد يوم.. كذلك ضروريات الحياة من طعام وماء ودواء.. ملايين الأطنان من ركام المباني التي سويت بالأرض جراء القصف الجوي والمدفعي الصهيوني تصَعِّب خروج ودخول عناصر المقاومة من وإلى الأنفاق وما يتعرض له أهل غزة العزة من صنوف القتل والدمار والتجويع والإبادة والتهجير داخل القطاع يزيد الحمل والمسؤولية على كاهل المقاومة

حال غزة العزة وما يقابله من تجاهل رسمي وشعبي عربي إسلامي يشبه إلى حد كبير أحداثًا حصلت منذ سنوات في مدينة نيس الفرنسية، فاسمحوا لي أن أحكي لكم هذه المقاربة أيها الأعزاء ولنبدأ الحكاية!! 

كنت أتمشى مع المرحومة زوجتي في أحد شوارع مدينة نيس الفرنسية الجميلة، حيث استوقفني مشهد لا ينسى، فقد شاهدت رجلًا ضخمًا عريض المنكبين يتشاجر مع امرأة ضعيفة الجسم لا حول لها ولا قوة، كان الرجل يضرب ويركل المرأة بكل ما أوتي من قوة ويجرها من شعرها ويلطم وجهها بالحائط والدماء تسيل من وجهها ويديها بغزارة وهي تصرخ ناظرة لجمع غفير من الناس يقفون على الجانب الآخر من الشارع يشاهدون ما يحدث، تصرخ بكلمات وإشارات توسل إلى الناس لعل أحدهم يفزع لنجدتها وتخليصها من الآلام والعذاب الذي تتلقاه من هذا الوحش الذي يبدو أنه يستمتع ويتلذذ من تصرفه هذا، والأعجب أن لا أحد من هؤلاء الناس تدخل لإنقاذ هذه المرأة المسكينة من براثن هذا الثور الهائج، وعندما خطوت نحوهما سحبتني زوجتي للخلف وقالت أنت لست أقرب لهذه المسكينة من أهلها الذين يشاهدون الحدث بدون أي مبالاة ولا نخوة ولا شهامة، وظل هذا الوحش مستمرًّا في الضرب والركل إلى أن جاءت الشرطة وأخذتهما معا!!! المقاربة أن موقف العرب والمسلمين السلبي واللامبالي من العدوان الإسرائيلي الصهيوني على أهل غزة العزة كحال الجميع من أهل نيس اللامبالين عديمي النخوة والشهامة لما يحدث لتلك المرأة المسكينة من ظلم وجور. 

بالرغم من المقاومة البطولية حصريًّا لأهل غزة العزة التي تجاوزت العشرة أشهر ولم تستسلم وبالرغم من كافة صنوف العذاب ولم يحقق العدو الصهيوني أي انتصار على الأرض، ولكن السؤال إلى أي مدى يمكن للمقاومة الاستمرار والتصدي من تحت الأرض لهذا العدو الصهيوني المدجج بأحدث تقنية المراقبة والتصوير إضافة إلى الطابور الخامس من المخبرين والجواسيس، مدعوما بأعتى صنوف الأسلحة برًا وجوًا وبحرًا وفوق كل ذلك الدعم المطلق غير المحدود وغير المشروط من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا الغربية إضافة إلى تآمر دول عربية بذاتها وسط صمت عربي وإسلامي لم يسبق له مثيل في التاريخ؟ 

غزة المقاومة محاصرة برًا وجوًا وبحرًا وأفراد مقاومتها وسلاحها وذخيرتها تتناقص يوما بعد يوم ناهيك عن الطعام والماء والدواء وغيره من ضروريات الحياة للبقاء، ومما يزيد من معاناة المقاومة ملايين الأطنان من ركام المباني التي سويت بالأرض من جراء القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي الصهيوني مما يُصَعِّب خروج ودخول عناصر المقاومة من وإلى الإنفاق، أضف إلى ذلك ما يتعرض له أهل غزة العزة من المدنيين من صنوف القتل والدمار والتجويع والإبادة الجماعية والتهجير القسري اليومي داخل القطاع مما يزيد الحمل والمسؤولية على كاهل المقاومة.

هذه المعطيات كلها تشير إلى أن عامل الوقت على المدى البعيد واستمرارية الحصار ونقص السلاح واستهلاك الذخيرة واستحالة تعويضها وكذلك صعوبة الخدمات اللوجستية والصمت العربي والدولي المريب، والعراقيل والمماطلة لكسب الوقت تحت مسمى المفاوضات بين مندوبي إسرائيل وحليفتها أمريكا ووكلائها في المنطقة المعنيين بالاتصال مع حماس، هذه العراقيل التي افتعلت الواحدة تلو الأخرى من قبل ناتنياهو كي تساعد على كسب المزيد من الوقت لإطالة مدى الحرب خدمة لإستراتيجية الصهاينة وإسرائيل!! جميع هذه المعطيات كلها تصب في صالح إسرائيل والصهاينة، ولا تخدم ولا تستقيم مع مصالح المقاومة، أي باختصار شديد تصفية القضية الفلسطينية وهذه أجندة الاحتلال الصهيوني بمباركة ومشاركة بعض الحكام العرب المتصهينين العملاء الحقيرين أحفاد قطاع الطرق وقراصنة البحار.

أمام حالة الصمت الرهيب من جميع دول العالم ما عدا حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن لا يمكن التكهن بمصير المقاومة في غزة العزة ولربما المقاومة في الضفة الغربية، ولكن هناك قوة الحق بمعية الله عز وجل ودعاء المسلمين المستضعفين في الأرض سيكون النصر حليف أهل غزة العزة وبمشيئة الله ستتلاشى دولة الظلم والعدوان إسرائيل من الأرض وستعود أرض فلسطين الكبرى لأهلها أصحاب الأرض الأصليين، وإن الله على نصرهم لقدير. 

زر الذهاب إلى الأعلى