مقالات الرأي

لاستباحة الأوطان أوجه عدة!! 

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏عندما تنهار الأوطان وتسقط أنظمتها الحاكمة تتمكن قوى عديدة من استباحتها واللعب بها وتسخير مواردها لمصالحها، هذه بديهيات لا يحتاج مني حتى الأطفال لشرحها، لكن ما أردت أن أتطرق إليه في هذا المقام، أن استباحة الأوطان لا تتم فقط بالوجود العسكري والاستخباراتي والشركات متعددة الجنسية، وليس فقط من قبل المجرمين متعددي الأنشطة ومتنوعي الأهداف، ولا من قبل عابري السبيل والمهاجرين، بل يوجد نوع آخر لاستباحة الأوطان وهو العبث بثقافتها وهويتها وانتمائها.

كنت عام 2009 قد نشرت مقالًا في صحيفة قورينا عن مخاطر ما يسمى المجتمع المدني، ووقتها تعرضت لحملة شعواء من الذين يدعون وقتها حرية التعبير ويتكلمون في العلن عن تكميم الأفواه!! قلت فيما قلت إن المجتمعات التي يخترقها فكر ما يسمى الجمعيات المدنية والأهلية إنما تفسح المجال لطرح مشروعات تهدد مقوماتها الأساسية وتضرب منظومة الأخلاق القائمة عليها، وذكرت أن مخاطرها شرعنت الدعوة للمثلية ونشرها، حتى أن بعض منتقدي ذلك المقال، قال إنني أحاول أن أعترض على تكوين منظمات المجتمع المدني لكونها تدعو إلى المثلية! اليوم بعد خمسة عشر عامًا من ذلك المقال يمكنني الوثوق بما قلت والتأكيد عليه والدعوة لإعادة قراءته، فالدعوات إلى المثلية لم تعد شعارات مخفية، بل صارت نداءات وتوجهات علنية تطلقها الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء، وتعمل على فرضها بكل السبل، وصار زواج المثليين في الغرب من الأعمال البطولية الرائعة يصفق له الجمهور، وشرعنته الدساتير وعمدته الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية، حتى أن أغلبية الحكومات الغربية تتكون من مثليين متزوجين، وانتقل الأمر من دعوات المثلية وما شابهها إلى مطالبات للتزاوج بالحيوانات، فتجد سيدات ممن يذكرن بالمجتمع المدني الراقي يتزوجن كلابًا وحميرًا عفاكم الله، وأصبحت المثلية والتزاوج بالحيوانات أحد مقومات ما يدعى أنه العمل لحماية حقوق الحيوان، وفي إمعان لتسريع وتيرة تدمير المجتمعات، فرض تدريس هذه المفاهيم الخبيثة على تلاميذ المراحل الابتدائية حتى يتم تصنيع مجتمعات بشرية أخرى تختلف عما نعرفه عن البشر خلفاء الله في الأرض.

واليوم نرى ذلك يتحقق في بلادنا حتى وإن حاول البعض إغماض أعينهم عما يجري، ومن مظاهر ذلك تسويف الحديث عن الكرامة والشرف والعرض، وصار ينظر إليه عند البعض من قبيل التراث المتخلف، وأصبح تمجيد الخيانة والعمالة أمرًا مستحبًا لدى كثيرين، حتى أن بعضهم لم يتورع في تمجيد المستعمر وفي الترويج لأفكاره التي دمرت ليبيا وأهلكت الليبيين لعقود!

شاهد القول اليوم ما نراه من عبث يضرب مؤسسات الدولة دون مراعاة لأي قيمة اجتماعية يتفق عليها الليبيون منذ آلاف السنين، فصرنا نشهد أن أبناء يقتلون آباءهم أو إخوتهم أو أعمامهم أو أن يمارسوا المحرمات مع أخواتهم وبناتهم، الذي صار أمرًا يزداد شيوعًا، أما المثلية فحدث ولا حرج، صحيح أنها لا تزال تمارس في السر، لكنها أقرب إلى أن تظهر إلى العلن.

‏وفي هذا السياق أذكر أن بعض من يروجون اليوم لهذه المفاهيم الخبيثة في العلاقات الاجتماعية كانوا لسنوات طويلة يحاولون التنمر على بعض مقولات الكتاب الأخضر، يريدون القول إن الكتاب الأخضر منشور تافه ليس به إلا أنه قال المرأة تحيض والرجل لا يحيض وأضافوا إليها من عندهم في إطار حملات التشويه أن الدجاجة تبيض والديك لا يبيض، وفي الواقع أن الكتاب الأخضر تنبأ بأن ما روج له في وقتها عن مساواة المرأة في العمل وفي الاقتصاد والسياسة مجرد خدع مبرمجة لتدمير المجتمعات، وكانت وجهة نظر الكتاب الأخضر أن المرأة لا ينبغي أن تجبر على عمل يخالف تكوينها البيولوجي لتتحصل على حقوقها، ينبغي أن تكون المساواة التامة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون الحاجة إلى تغيير الطبيعة البيولوجية للمرأة وكذلك الرجل، وكأنه يقول إنه سيأتي زمن يفرض فيه على الناس التحول الجنسي لينالوا حقوقهم، وهذا ما يشهده العالم اليوم، حيث صار الرجل زوجًا لرجل آخر، وصارت المرأة زوجة لامرأة أخرى، واضطر كثير منهم لإجراء عمليات جراحية شاقة وصعبة، في محاولة لتكييف أشكالهم مع هذه الوضعية الجديدة.

وأيًّا كان الوضع، فالرجل لن يحيض ولن يحمل، والمرأة لن تستطيع أن تصنع منيًّا تقذفه في رحم امرأة أخرى، وهكذا لجأوا إلى فكرة استئجار الأرحام وما إليها من مستجدات في المجتمعات الغربية. أنا لا أقول هذا من باب الترف، ولكن شدني إلى الموضوع ما قرره الرئيس بوتين في الاتحاد الروسي بمنع المثلية تمامًا وتجريم الداعين إليها والتأكيد على المحافظة على التكوينات الطبيعية للبشر حتى لا يتحول البشر إلى حيوانات ناطقة. الحفاظ على البشرية وعلى علو الإنسان لا يتم فقط بحماية البلدان وتحقيق استقلالها، بل بتأمين المجتمعات من الأفكار الشيطانية التخريبية.

في بلادنا ما خفي أعظم بكثير!

أدعو النخب الوطنية والمثقفين إلى تنبيه الشعب لخطورة ذلك، فما سيسببه من معاناة لن يختلف عما تسببه ندرة الوقود والنقود والطاقة.

والمجد للوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى