مقالات الرأي

شرط الثبات التشريعي كضمان لحماية المستثمر الأجنبي

بقلم/ غادة الصيد

تقوم الدولة المضيفة للاستثمار الأجنبي بإحداث تغييرات في تشريعاتها قصد مواكبة التطورات الاقتصادية السريعة التي يشهدها العالم وتحقيق التنمية المنشودة، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى زعزعة ثقة المستثمر الأجنبي وتزايد مخاوفه نتيجة اختلال التوازن الاقتصادي للعقد المبرم بين الطرفين على نحو يؤدي إلى الإضرار بالطرف الأجنبي وهو ما دفع العديد من الدول إلى تعهدها بعدم المساس بالنظام القانوني للعقد ووضع ما يعرف بشرط الثبات التشريعي في عقودها مع المستثمرين الأجانب بهدف تثبيت الدور التشريعي للدولة، وتأمين حماية للمستثمرين الأجانب مدة تنفيذ العقد، ويقصد بشرط الثبات ذلك الشرط الذي يرد ضمن بنود العقد وتتعهد الدولة بمقتضاه بعدم تطبيق أي تشريع جديد أو لائحة جديدة على العقد الذي تبرمه مع المستثمر.

فشرط الثبات يهدف إلى تجميد القواعد التشريعية في الدولة المضيفة في علاقاتها مع المستثمر المتعاقد معها على الحالة التي كانت عليها في تاريخ إبرام العقد، بغية حماية المستثمر ضد المخاطر التشريعية التي تتمثل في سلطة الدولة في تعديل اقتصاديات العقد، وذلك من خلال تغيير تشريعها واجب التطبيق سواء بوصفه القانوني الذي يحكم العقد أو بوصفه من القواعد ذات التطبيق الضروري.

وتتخذ شروط الثبات أشكالًا متنوعة:

  1. فقد تكون شروطًا عامة تهدف إلى تجميد كل القواعد النافذة في الدولة المتعاقدة وعدم سريان كافة التشريعات الجديدة على العقد.
  2. وقد تكون شروطًا خاصة تنص فقط على عدم سريان بعض التشريعات النافذة أو المستقبلية في الدولة المتعاقدة، كالتشريعات المتعلقة بالجمارك أو الضرائب.
  3. وقد تكون شروطًا مطلقة، وذلك عندما تتعهد الدولة بعدم تطبيق أي قانون جديد صادر منها على العقد.
  4. وقد تكون شروطًا نسبية، وذلك عندما تتعهد الدولة بعدم تطبيق قوانين من شأنها الإضرار بالمستثمر.

ولكن المستثمر الأجنبي المتعاقد مع الدولة المضيفة يدرك تمامًا أنه لا يقف على قدم المساواة في هذه العلاقة التعاقدية، فالدولة المضيفة هي شخص من أشخاص القانون الدولي العام تتمتع بمظاهر السلطة والسيادة التي تخولها المساس بتشريعاتها الداخلية تعديلًا أو إلغاءً بصفة انفرادية، وذلك تحقيقًا للمنفعة العامة، في حين يمثل المستثمر الأجنبي شخصًا خاصًا يخضع للقانون الداخلي، فهو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، وبناءً على ذلك لا يمكن حرمان الدولة من ممارسة سيادتها بصفتها شخصًا عامًّا، ووفقًا للمصلحة العامة فمبدأ الثبات المطلق للعقد لا يمكن الأخذ به على نحو مطلق، حيث إن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة للأفراد، ونفس الشيء ينطبق في حالة إدراج شرط عدم المساس لبنود عقد الاستثمار، والذي يقصد به تتعهد الدولة بمقتضاه بعدم تعديل العقد بإرادتها المنفردة دون رضا الطرف الآخر، مستخدمة في ذلك امتيازات السلطة العامة التي يعترف لها بها في القانون الوطني، فشرط عدم المساس يهدف إلى منع أي تعديل للعقد بإرادتها المنفردة من أجل حماية المستثمر الأجنبي المتعاقد مع الدولة المضيفة ضد المخاطر الإدارية، والتي تتمثل في حق الدولة في بعض الأنظمة القانونية في تعديل شروط العقد الذي تكون طرفًا فيه بإرادتها المنفردة.

ففي كلتا الحالتين (شرط الثبات التشريعي هو شرط عدم المساس) لا يمكن القول بحرمان الدولة من ممارسة سيادتها وفقًا للمصلحة العامة، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الشروط عديمة الفائدة ولا ترتب آثارا قانونية في ذمة الدولة في صالح المستثمر، ففي هذه الحالة تكون وظيفتها مالية، وذلك باستحقاق الطرف الآخر التعويض وتكون قيمة التعويض في هذه الحالة أكثر ارتفاعًا من الحالة التي لا يُضمن فيها العقد (شرط الثبات التشريعي هو شرط عدم المساس) وحيث يؤدي وجود هذين الشرطين إلى إمكانية تعويض المستثمر ليس فقط عما لحقه من خسارة، بل أيضًا عما فاته من كسب، كان يمكن أن يتحقق لو ظل المشروع الذي تم إنهاؤه قائمًا.

في النهاية نستطيع القول إن التعديل حق سيادي، إلا أن ممارسته قد تؤدي إلى نشوء العديد من المنازعات، ولا شك أن التحكيم هو الحل الأفضل الذي يتسنى للمستثمر اتخاذه للحصول على تعويض عادل لما لحقه من ضرر.

زر الذهاب إلى الأعلى