مقالات الرأي

المبعوثون لا يجلبون السيادة

بقلم/ ناجي إبراهيم

يعطوننا كلاما ويغرقوننا بالتصريحات ويغدقون على الكيان الصهيوني بالأموال ويعززون ترسانته العسكرية بالذخائر والأسلحة، ويوفرون له الحماية في المؤسسات الدولية ويستخدمون الفيتو لمنع أي قرار يدين جرائمه التي يرتكبها في فلسطين ولبنان، ويتعهدون بحمايته ويبررون ذلك بحق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها، وينكرون حق الفلسطينيين الشرعي والقانوني في مقاومة الاحتلال. 

كمالا هارس قالت في خطابها بقبول ترشحها للانتخابات الرئاسية قالت إنها تعمل على وقف الحرب، فيما يخالف الوقائع على الأرض، ولم يكن الإعلان الأول عن وقف الحرب الذي يصرح به المسؤولون في الإدارة الأمريكية ورغم ذلك يعطون نتنياهو السلاح ليستمر في ارتكاب المجازر والمذابح ضد الفلسطينيين ويدعمون توجهاته وسياساته الإجرامية.

أمام وسائل الإعلام يصرحون بأنهم يبذلون جهدهم من أجل وقف إطلاق النار، ويحملون المقاومة الفلسطينية المسؤولية في عدم وقف الحرب، ويغضون الطرف عما يصرح به المسؤولون الصهاينة بمعارضتهم وقف الحرب وإعلان نتنياهو وبشكل مستمر أنه سيواصل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ويكافئونه باستمرار الدعم المالي والعسكري والسياسي ويحشدون جيوشهم وأساطيلهم في المنطقة لدعم المذبحة التي تنفذها حكومة الكيان الصهيوني على الأراضي العربية دون وضع اعتبار لمصالحهم في المنطقة ودون مراعاة لمشاعر شعوب المنطقة. 

في السياسة كل شيء يُقال، وليس كل ما يُقال يترجم في الواقع والمسكوت عنه أكثر من المعلن، ولذلك لا يجب أن نبني أفعالنا على تصريحات إعلامية وصحفية، ولا نقيم علاقتنا مع الآخر على نوايانا، بل على سلوك وأفعال الطرف الآخر.

لم نسمع يوما مسؤولا أمريكيا يعلن أن أمريكا تسعى لخلق الفوضى وضرب الوحدة الوطنية ومنع المضي في عملية سياسية تؤدي إلى إقامة الانتخابات التي تفضي لحكومة منتخبة تنهي المراحل الانتقالية وتنتج استقرارا دائما، مع دعوات لحل الميليشيات وبناء مؤسسات أمنية، وتدعو لإنهاء التواجد العسكري الأجنبي. 

هل هذا يتوافق مع سلوك وسياسات الولايات المتحدة على المسرح الليبي؟

بالتأكيد ما يحدث من ممارسات يتناقض تماما مع التصريحات التي يطلقها المبعوثون والسياسيون الأمريكيون. 

لن أسرد عليكم التصريحات التي يكررها المسؤولون الأمريكيون وخاصة السفراء والمبعوثين والتي تسمعونها وتطلعون عليها في كل مناسبة، وهي كثيرة ومتكررة، وأغلبها تنحو نحو حرص الولايات المتحدة على وحدة ليبيا وترفض أي أعمال تهدد هذه الوحدة وحرصها على الاستقرار بل وتدفع نحو بناء التنمية.. وتعلن دائما رغبتها في إنهاء حالة الفوضى وتدعم الأطراف الليبية في قيام انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي الأوضاع الانتقالية، وكل تلك التصريحات تتقاطع مع طموحات ورغبات وأمل كل مواطن ليبي.. من أفشل إتمام الانتخابات في عام 2021؟ من هي القوة القاهرة؟

الأمريكان والغرب لا يكذبون في تصريحاتهم فحسب بل ينكثون وعودهم ولا يلتزمون بأي اتفاقات وحتى المكتوب منها ولنا مثال في الاتفاقية الليبية الإيطالية حول إنهاء النزاع الليبي الإيطالي وفتح صفحة جديدة في العلاقات الليبية الإيطالية دشنت بالاعتذار الرسمي الذي أعلنته إيطاليا عام 2008 في بنغازي وعلى لسان رئيس حكومتها (برلسكوني) للشعب الليبي عن الحقبة الاستعمارية وتعهدت بتقديم تعويض مادي نقدي وعيني للشعب الليبي. 

ما الذي جعل إيطاليا تتخلى عن وعودها وتنكث عهودها المكتوبة؟

ومتى كانت تلك الشعوب التي أقامت علاقاتها مع شعوب المعمورة على الحروب والغزو والهيمنة والنهب تقيم وزنًا لهذه التعهدات وتحترم الجوار؟ وتجاربنا معهم تؤكد انحطاط أخلاقهم وغياب القيم الإنسانية وعلاقتنا معهم طوال الحقب التاريخية تقوم على القوة.

لا ترضخ تلك الشعوب إلا للقوي ولا تفهم إلا لغة القوة، لن يراعوا فينا إلًّا ولا ذمة كلما وجدوا فينا ضعفًا. 

إن انتظار حلول من الخارج لمشكلاتنا التي من الممكن أن نحلها في الداخل إذا قطعنا كل ارتباطاتنا بالخارج وأغلقنا آذاننا عن تصريحاته ووعوده المغلفة بالعسل.

من الممكن جدا أن يلتقي الليبيون في أي مكان من جغرافية الوطن وأن يجدوا حلولا لمشكلات ما كانت موجودة قبل تدخل الخارج، والاتفاق على خارطة تنهي حالة الجمود والفوضى والانقسام الذي تغديه أطراف خارجية ومطامع شخصية وتؤسس لنظام سياسي يقبله الشعب الليبي وإن لم يحدث هذا فإن الأزمات ستتواصل والصراعات ستحتدم وبما يهدد الوحدة الوطنية وربما لن نجد وطنا نتصارع على حكمه.

ومثلما لم تعد فلسطين بالقرارات الدولية والوعود والتصريحات والحوارات والمفاوضات والتفاهمات ومضى على احتلالها أكثر من 75عاما، فلا يجب أن يتوقع الليبيون عودة الاستقرار والسيادة لبلادهم من خلال المبعوثين وتصريحاتهم ووعودهم.

زر الذهاب إلى الأعلى