إيرادات وطن.. بين العدالة الاجتماعية والمؤامرة
بقلم/ عفاف الفرجاني
يجب رحيل الصديق الكبير وإنهاء العبث الإنجليزي في المال الليبي، علينا نحن الليبيين الضغط على مجلس النواب بإصدار قرار يقضي بعزل الكبير من منصبه.. وتشكيل لجنة لإدارة المصرف المركزي وتكليف شخصية بديلة عنه.. هكذا كانت الأصوات شرقًا وغربًا وجنوبًا تطالب بتنحي “المحافظ” طال بقاؤه بالمصرف بتجاوز كل المدد، هذا الذي يعرفه الليبيون، أما ما لا يعرفه الليبيون فإن السيد الصديق الكبير، ورغم تحفظنا على وجوده على هرم المصرف لفترة طويلة، حافظ على أموال الليبيين وحرص عليها حرصًا شديدًا وسط الفوضى السياسية والأمنية، والذي لا يعرفه الليبيون أن الكبير مدهقن وصعبة الراس، فأمام العديد من محاولات إزاحته من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين والإنجليز والذين يذكر أنهم السبب الأول في اختياره لهذا المنصب إلا أنه خيب ظنهم في استعماله، هذا غير الضغط الداخلي المتمثل في الميليشيات المسلحة المتعاقبة في المنطقة الغربية.
ازداد الضغط على الكبير بعد تولي عبدالحميد الدبيبة رئاسة الحكومة لتبدأ رحلة التفاوض على اتفاق يؤهل الأخير سحب أموال من “البنك” بحجة أن البرلمان لم يعطه حق الموافقة على الميزانية، قاوم الكبير ببسالة كل الأطراف الطامعة حاملًا مفاتيح الخزانة الليبية على كتفه ليستقر في الخارج، فالغرب الليبي منطقة جغرافية خارجة عن السيطرة، حتى الجريمة المنظمة والاختفاء القسري شيء متعارف عليه بين الأوساط الشعبية، هذا الرجل الذي اتهمه الغرب بعد أن خذلهم وفي خطوة لتأليب الرأي العام المحلي والدولي أنه مارس نفس البيروقراطية السابقة من العقد الماضي، رغم انهيار سلطة الدولة بالكامل إلا أن الأفكار لم تتغير، هذا ما حاول الغرب التسويق له كنوع من الفتنة.
فبالرغم من الانقسام في الدولة الذي كانت إدارة المصرف المركزي جزءًا من هذا الصراع بين شرق وغرب البلاد، عندما انتقل نائب الكبير الحبري إلى الشرق من خلال تعيينه من قبل مجلس النواب محافظًا، وانتقل الكبير إلى مالطا مع اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والميليشيات، قبل أن يعود إلى طرابلس، إلا أنه ظل محافظًا على أموال الشعب الليبي وسيطر على رموز «سويفت» (SWIFT) الخاصة بالبنك، والتي سهلت على البنوك التعاملات المصرفية المعروفة، حتى إن استمرت العائدات النفطية تتدفق على المصرف المركزي في العاصمة وتراكمت دون التفريط بها، حتى أصبح الكبير لاعبًا مركزيًا في جميع المفاوضات بشأن الإنفاق الحكومي الذي وراءه عصابات داخلية وخارجية.
الذي لا يعرفه الليبيون أن المحافظ ظل محافظًا على الحياد بين أبناء الشعب الليبي حتى أن منتسبي المجموعات المسلحة والقوات المسلحة على جانبي الحرب كانت تصرف لهم رواتب، واعتبر المركزي خارج الصراع، حتى أن الأمريكان وعبر سفيرتهم “ديبورا جونز” استنكروا ذلك باعتبارهم في صف حكومة السراج، وقالت «لقد كاد الأمر يدفع وزير الخارجية الأمريكية آنذاك جون كيري إلى الجنون.. كان يسأل عن الكبير (لماذا الكبير لا يقطعها) أي المرتبات على المنطقة الشرقية باعتبارها تمثل القوات المسلحة، لقد خاض المحافظ أوقاتًا عصيبة، من خلال التهديد المستمر له، ومن خلال خطف شخصيات مصرفية حتى أن الأمر طال شقيق رئيس مكتب الصديق الكبير نفسه وظل يحمل شعار (لا لترهيبنا).
اليوم نحن أمام خطر يهدد استقرار النظام المصرفي سيأخذ البلد إلى انهيار كارثي لقيمة الدينار، فهذه الجهة الوحيدة المعترف بها دوليًّا فيما يتعلق بمعاملات إيداع إيرادات النفط قوت الليبيين، واستقرار البلد اقتصاديًّا مرهون باستقرار إدارة المصرف بعيدًا عن التجاذبات السياسية.