مقالات الرأي

زوابع الفناجين‏!!

لا حرب.. لا انتخابات! ولا تغييرات في السلطات!!

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏المشهد الليبي المتغير شكليًّا، في الواقع مشهد ثابت لم يتغير، تتكرر أحداثه منذ أكثر من عقد من الزمان، وهذا ما أراده المتدخلون الأجانب في ليبيا عام 2011، يحاولون تقديم ليبيا كنموذج لحالة استقرار مصنوع، ما نراه من شطحات وتحركات هنا وهناك لا يعني أن تغييرا وشيكا سيحدث، بما فيها الحروب الميليشياوية المحدودة، فهي فقط لإظهار أن الحال باق على ما هو عليه، ببساطة لأن الحرب إن حسمت قد تنتج قوة واحدة مسيطرة على البلد، ربما تسهم في حلحلة أزمتها، الغرب لن يسمح بتكوين سلطة وطنية مرة ثانية، حتى وإن أظهرت ولاءها له، وتعهدت بحماية مصالحه، فهي بالتأكيد وبقدر ما، ستضع المصلحة الليبية فوق مصالح الجميع.

للتذكير من أهم أهداف التدخل إلغاء ليبيا كدولة مستقلة قوية ومنع تكرار شكلها الوطني بتغيير حقيقي يؤدي إلى استدامة الأزمة وإحداث تغيير ديموغرافي، يحولها من دولة متجانسة سكانيًّا ومذهبيًّا، لتصبح دولة هشة مختلطة متعددة الأعراق والمذاهب، ليسهل قيادتها والاستفادة من مقدراتها، هذا ما يفسر الجهود الحثيثة التي يقوم بها الغرب لتسريع وتيرة التغيير السكاني الضخم، وما يشهده الجنوب الليبي مثال صارخ، وهو لا يقع في إطار مصلحة الأفارقة أو الأجانب المهاجرين ولا حتى حماية لهم ولا تقديرًا لظروفهم الصعبة، بل الهدف هو ليبيا، يستخدمونهم لفرض واقع سكاني جديد في ليبيا، لموقعها الهام وثرواتها الهائلة، من جهة أخرى، الحرب تهدد حالة الاستقرار الوهمي التي يحاول الغرب تسويقها عن ليبيا.

‏ولا انتخابات.. لأن الانتخابات إن جرت بأي شكل، بالتأكيد ستفرز سلطة تتمتع بقدر من الشرعية الوطنية، وهذا يتناقض مع الوضع الذي فرضه الغرب منذ تدخله وجعله ليبيا تحت الوصاية، سلطاتها تكتسب شرعيتها من المجتمع الدولي الذي هو في الواقع الولايات المتحدة، أما تغيير المناصب والوظائف وما نسمعه ونشهده من ضجيج حول الحكومة الجديدة وتغيير محافظ المصرف، فهي أمور شبيهة بكذبة أبريل، الآن لدينا حكومتان، إحداهما فرضها المجتمع الدولي في مسرحية جنيف، والأخرى نتجت من توافق وطني هش محدود بين مجلس النواب وبعض من مجلس الدولة، كلتاهما تشكلتا على فكرة المحاصصة الجهوية وبيع وشراء التزكيات ومن بعد الثقة.

ومن المعلوم للجميع أن تسمية المترشحين وتزكيتهم للمناصب الحكومية ومنح الفائزين الثقة تتم بمقابل مالي ضخم، رغم أن ليبيا في أزمة وتحتاج إلى حكومة أزمة قليلة وفعالة ومنتجة، وفي كل تاريخها القريب لم يتجاوز عدد الوزارات التي أدارتها 18 وزارة في وقت كانت الدولة مستقرة ونامية تمارس دورًا إقليميًّا ودوليًّا كبيرًا، بينما اليوم عدد الوزارات يتجاوز الأربعين وزارة، إضافة إلى أكذوبة الوزراء بدون حقائب وهي وسيلة متبعة في بعض الدول الغربية حيث يكلف وزراء لبعض القضايا التي تهتم الدولة بها في إطار تخفيض التكاليف وليس ضمن سياسات الإرضاء!

ما ينطبق على الحكومة ينطبق على المواقع السيادية، خاصة مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط، اللتين تحظيان برعاية أمريكية غير قابلة للمساس، ولا يمكن تبديل من يقودهما إلا بأمر أو برضا منها، وكل ما نسمعه من ضجيج، ليس إلا مجرد زوبعة في فنجان، وحكاية عدم تنفيذ قرار الرئاسي الوهمي بإقالة المحافظ لافتقاده الصلاحية الدستورية كما يدعي البعض، ليست إلا مجرد هراء، فلقد كان قرار مجلس النواب بتغيير المحافظ قبل خمس سنوات شرعيًّا، فهو المختص من الناحية الدستورية التي فرضت بعد 2011 بتعيين محافظ المصرف، ولكن المحافظ الذي غير وقتها وضع قرار مجلس النواب في كوب ماء وألقى به في البحر، اليوم يقولون إن المجلس الرئاسي الذي اتخذ قرارًا بتغيير المحافظ لا يملك صلاحية، والحقيقة لا علاقة للأمر بالشرعية القانونية.

دعونا من الحديث عن الشرعية، فذلك أمر متشعب ومعقد وصعب، بالنسبة للغرب المواقع السيادية خط أحمر، تغييرها يتم بموافقته وحسب أهوائه، والدليل، تغيير رئيس مؤسسة النفط تم بكل سهولة بقرار من رئيس الحكومة، ولم يقل أحد إن هذا شرعي أو غير شرعي، ولم يتمكن القضاء الذي لجأ إليه المدير السابق من اتخاذ حكم، ولم يستطيع وزير النفط الذي لا يعلم بالقرار أن يحرك ساكنًا بل طرد من موقعه.

المهم لا علاقة للدستورية والقانونية بما يجري، فالمطلوب إبقاء المشكلة حية لتمكين التدخل الأجنبي دون معوقات، فعندما تهدأ الأمور كثيرًا فإن بعثة هيئة الأمم والسفراء لا يجدون عملًا كثيرًا وتصبح بياناتهم تكرارًا لسابقاتها، لكن عندما يحدث تدافع وحتى بعض قتال بين المجموعات المسلحة وإن سقط بضع عشرات من الضحايا الأبرياء، يبرز دور المجموعة الدولية من جديد، وهذا ما كان وما سيكون!

علينا أن ننتظر أن يفرج الله علينا، وأن يحدث أمرًا، أو أن تخرج النخب الوطنية من أدوار التحليل والمتابعة والمراقبة إلى أدوار الفعل الحقيقي على الأرض وتأسيس منظومة سياسية جدية من النخب الوطنية هدفها استعادة الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى