خطة إنقاذ وطنية في مواجهة التحديات المصيرية
بقلم/ محمد علوش
كاتب من فلسطين
نعيش مرحلة صعبة ومعقدة في ظل جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على شعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة، والتي تمثل فصلًا إرهابيًّا وعدوانيًّا جديدًا في التطهير العرقي وإرهاب الاحتلال المنظم الذي يحاول فرض العقاب الجماعي على أبناء شعبنا، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في إطار الحرب الشاملة التي يقوم بها الاحتلال، وعنوانها الإبادة الجماعية وسياسات الحصار والتجويع والتهجير القسري في قطاع غزة وعمليات القتل والاغتيالات والاعتقالات وفرض ما يسمى شرعنة البؤر الاستيطانية، على مدار أحد عشر شهرًا من بدء هذه الحرب الوحشية والدموية التي تستهدف تفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين وارتكاب المزيد من أعمال التخريب والتدمير في المخيمات الفلسطينية وتهجير سكانها، واستهداف كافة المناطق الفلسطينية شعبًا وأرضًا وهوية وواقعًا ومستقبلًا، الأمر الذي يتطلب تدخلًا دوليًّا عاجلًا لِلَجْم الحرب العدوانية الإسرائيلية الأمريكية وتوفير الحماية لأبناء شعبنا ورفض كافة المخططات الاحتلالية وممارسات العقاب الجماعي التي تنتهجها حكومة نتنياهو الإرهابية.
منذ بداية الحرب العدوانية إلى اليوم وقفت الولايات المتحدة الأمريكية والإمبريالية الغربية داعمة للاحتلال على كافة المستويات المالية والتسليحية والإعلامية، وعملت الإدارة الأمريكية على إفشال كل المساعي والجهود الدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتوفير مناخات التهدئة في قطاع غزة، حيث أكدنا دومًا أن تكون التهدئة شاملة ومتوازنة، وأن تحظى بضمانات حقيقية في ظل السياسات العدوانية للاحتلال التي اعتدنا عليها في كافة التجارب والمحطات السابقة، ومن غير المعقول ومن غير المقبول أبدًا الرضوخ للشروط والإملاءات الأمريكية الجديدة التي عبر عنها وزير خارجية الإدارة الأمريكية بلينكن في جولاته المتعددة إلى المنطقة، وآخرها خلال الأيام الماضية، حيث حاول تسويق مشروع اتفاق جديد للتهدئة منسجمٍ شكلًا ومضمونًا مع الشروط الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو مؤخرًا، والحديث عن مثل هذا المشروع الأمريكي ليس سوى محاولة لإفشال جهود الوساطة وتبديل الأولويات وإعطاء الغطاء لنتنياهو لإطالة أمد الحرب المسعورة التي تخدم أهدافه الشخصية في إطار الائتلاف الفاشي المتطرف والمعركة الانتخابية المتوقعة التي بدأت من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة التي ما زالت تعطي الأفضلية والمزيد من الدعم الانتخابي لنتنياهو وحزب الليكود وخياراته.
من الواضح أن نتنياهو لن يتراجع عن شروطه الإضافية، سعيًا منه إلى إعاقة التوصل إلى صفقة، إلى جانب محاولات الإدارة الأمريكية – بايدن وبلينكن – إقناعه بالعدول عن كل مساعيه التخريبية للمفاوضات القائمة بالوساطة الثلاثية الأمريكية – المصرية والقطرية، للتوصل إلى اتفاق تهدئة، وتقوم هذه الإدارة بالعمل على تسويق موافقة نتنياهو بالشروط التي فرضها، وفي ذات الوقت تحميل حركة “حماس” المسؤولية عن رفض مشروع التهدئة، حيث يتولَّى بلينكن شخصيًا بصفته كبير الدبلوماسيين الأمريكيين – وقد قدم نفسه أكثر من مرة كصهيوني ويهودي، مهمة الترويج لمرونة نتنياهو وموقفه الإيجابي والمتقدم من الرؤية الأمريكية المعدلة، ويقوم “بتضخيم «الإنجاز»، حتى يظن الكثيرون أننا أمام حدث دراماتيكي فعلًا، وليس حركة إعلامية متعددة الأهداف والعناوين.
في مثل هذه المرحلة الدقيقة من عمر شعبنا وقضيتنا سيتعرض الشعب الفلسطيني للمزيد من الضغوط، وستبقى الولايات المتحدة تقف بكل قوتها وغطرستها في دعم إسرائيل، ورغم الفروقات المعروفة بين كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والسباق الانتخابي الرئاسي، فإننا على قناعة تامة بأن السياسة الأمريكية واحدة ولها أساس وحيد في إطار المؤسسة الأمريكية الرسميّة، وعلينا أن نقرأ ما حدث مؤخرًا في الكونغريس الأمريكي بالاستقبال والتصفيق الحافل بنتنياهو، وهو دليل على عمق العلاقات بين حكومته والإدارة الأمريكية التي حاولت في مرات عديدة أن تبرز وكأن هناك عناصر اختلاف بين سياساتها وبين سياسة نتنياهو وحكومة الاحتلال التي تقوم بتنفيذ جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي بالتنسيق والشراكة الكاملة مع الإدارة الأمريكية.
يجب أن يتوحد الخطاب الفلسطيني والسياسات الفلسطينية برؤية وطنية برنامجية، والتحرك على كافة المستويات في المحافل الدولية، وحشد كل أحرار العالم من أجل عزلة إسرائيل، وملاحقة قيادات وجنرالات الاحتلال في المحاكم الدولية، وإعادة اللحمة الفلسطينية إلى الساحة الفلسطينية والبحث عن كل السبل الممكنة لتنفيذ إعلان بكين، وتعزيز الشراكة والعمل المشترك لاستعادة عافية المشروع الوطني، فالتحديات كبيرة ومصيرية وتتطلب نضالًا جبهويًّا وموحدًا لمواجهة الحرب التدميرية الشاملة في غزة ومواجهة الاستيطان الاستعماري وتوسعه في الضفة الغربية وسياسات الاجتياح المستمر وتدمير بنية السلطة الفلسطينية وتقويض أي مستقبل للعملية السياسية.
نحن بحاجة إلى خطة إنقاذ وطنية لمعالجة كل الآثار الكارثية للحرب الأمريكية الإسرائيلية المفروضة على شعبنا، وبحاجة ماسة إلى ضرورة إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وأن يتوحد الجميع في رفض كل محاولات خلق البدائل أو إضعاف دور المنظمة، والتفكير الجدي الإيجابي والقراءة العميقة لبناء أسس متينة لمستقبل الوطن.