أحداث غزة.. تفكير بصوت مرتفع!!
بقلم/ عبد المجيد قاسم
كثيرًا ما تلفت نظري أفلام الإثارة الأمريكية، خاصة عندما يحاول البطل إنقاذ رهينة أو عدة رهائن وقعت في يد عصابة، فهنا تُحبس الأنفاس حتى لا تتعرض الرهائن لسوء، وحتى يستطيع البطل الوصول إليهم وافتكاكهم من أيدي العصابة التي تكون إما من ذوي التوجهات الدينية المتطرفة، وإما من تجار المخدرات، وأحيانًا، بل هذا هو الغالب، تبقى من الرهائن رهينة أو اثنتان، وهما اللتان ركز عليهما كاتب السيناريو وجعل الحوار يدور بينهما، وغالبًا هما شاب وفتاة، وباقي الرهائن يتم التخلص منهم الواحد تلو الآخر دون أن يتأثر المشاهد، وهؤلاء غالبًا ما يختارهم المخرج من بين أصحاب البشرة السوداء، أو من كبار السن.
الإشكالية التي تلفت نظري، وأظل أفكر فيها بعد انتهاء الفيلم، أن عدد الذين يقتلون في المطاردات من غير أفراد العصابة أكثر من عدد الرهائن، هذا فضلًا عن التفجيرات التي يصورها المخرج ببراعة لأبنية وأماكن مكتظة بالناس، ومع ذلك لا يكون لموتهم أدنى تأثير على نفسية المشاهد لأن الإخراج، والسيناريو، وسير الأحداث يجعلك تركز فقط على أشخاص بعينهم دون غيرهم.
هذا الأمر يكاد يتطابق مع ما يحدث الآن في قطاع غزة، بل بذات السيناريو، حيث تدور الأحداث حول مجموعة من الرهائن يحاول بطل الفيلم إنقاذهم من العصابة التي يخرج زعيمها حينًا بعد حين بزي ولغةٍ توحي بالتطرف الديني، وفي خلفية الأحداث يموت الآلاف من الناس، وتدمر البيوت والمنازل والمدارس والمستشفيات، دون أن يكون لذلك تأثير كبير على نفسية المشاهد، فالحديث في وسائل الإعلام لا يفتر عن الرهائن الذين لا يتعدى عددهم بضع مئات، بل وتصريحات العصابة لا تتعدى الحفاظ على حياة الرهائن وأن استمرار الحرب يعني وجود خطر عليهم! ويكون التفاوض بين البطل والعصابة حول إطلاق سراح الرهائن مقابل مطالب إطلاق سراح بضع مئات من الأسرى، فتذوب مشاهد الدمار وقتل الآلاف من المدنيين العزل، وتشريد الآلاف أمام السيناريو الرئيس، وأمام النتيجة التي أراد المؤلف أن يصل إليها في النهاية.
أنا شخصيًا لا أعتقد أن ما يحدث الآن في غزة هو على سبيل الصدفة، خاصة وأن موضوع القضاء على حماس، وإعمار غزة، كان مطروحًا منذ سنوات، وذكره بعض المهتمين والمطلعين.
كما أني لا أعتقد أن ما يتم بثه عبر أفلام الإثارة هو بعيد عما يحدث في الواقع، بل هو جزء من التهيئة النفسية للعالم لما عساه أن يحدث، فما يحدث في غزة، وتم الترتيب له منذ سنوات، ليس سوى خطوة لتهيئة المنطقة لسيناريو أفظع، وهو سيناريو التوسع والسير نحو زيادة رقعة الكيان، وتصريح (ترامب) الذي تنبأ بفوزه الأول المخرج السينمائي الأمريكي (مايكل مور) في مقال له كتبه علم 2016م، ليس ببعيد، عندما قال: “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها”.
كما أنني لا أقلل من أهمية المقاومة، ومن ضرورة أن تستمر حتى لا تموت القضية الفلسطينية بالكلية، لكن التفكير بصوت مرتفعٍ مطلوب أمام هذا العبث الذي نشاهده، فالأمر تجاوز مرحلة وجود رهائن، ووجود مطالبات نظير إطلاق سراحهم، وتعداه إلى وجود مجازر حقيقية يلعب التمسك بنقطة الانطلاق الأولى التي تم فيها احتجاز الرهائن دورًا في استمرارها، واستمرار هذا الجحيم الذي يعيشه سكان غزة.
إن كل الشواهد توحي بما هو آت، وعلى العرب أن يستفيقوا، وعلينا أن نقدم الأمور بحقائقها، لا بما هو معروض، وعلينا على الأقل إن أردنا أن نلتقط الطعم، أن نعي أننا نقوم بذلك بوعي واختيار، لا بغفلة وإجبار!