الخلافات تضرب “سلطة جنيف”و”النواب” يصوت بالإجماع على نهاية الاتفاق
تقرير – سيد العبيدي
تتصاعد الخلافات والانقسامات يومًا تلو الآخر داخل “سلطة جنيف” التي شكلت في فبراير 2021 عبر ما يسمى “ملتقى الحوار السياسي الليبي”، ممثلة في حكومة الدبيبة منتهية الولاية والمجلس الرئاسي، بالإضافة إلى الانقسام داخل مجلس الدولة والتوتر الحالي مع محافظ ليبيا المركزي إلى جانب الصراع المسلح بين ميليشيات المنطقة الغربية التي تتبع السلطتين.
ونتيجة هذا الصراع القائم منذ سنوات صوت مجلس النواب الثلاثاء الماضي بالإجماع على إنهاء المرحلة التمهيدية التي جاءت بهذه الأجسام الفاقدة للشرعية الدستورية والقانونية، وأوضح رئيس مجلس النواب في بيان له أنه يسعى إلى تحقيق سلطة واحدة، قادرة على السيطرة والعدالة بين الشعب، لافتًا إلى أن العاصمة طرابلس وقعت تحت سيطرة عصابات مسلحة، أعلنت وجودها وقوتها بعد انتخابات مجلس النواب. مضيفًا: “لم أسع ولم أعمل لتمديد نفسي بوصفي رئيسًا لمجلس النواب، ولم نتآمر لتأجيل الانتخابات، وأرفض عودة الاقتتال وتقسيم ليبيا”.
كما نفى عقيلة صالح أنه أعطى الإذن بتوريط ليبيا في أي اتفاقيات دولية، أو أنه رضخ للضغوط الدولية مهما كانت. وقال بهذا الخصوص: “قدمنا كثيرًا من التنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق يرضي الجميع، لكن توجد أطراف تسعى إلى إبقاء الأوضاع كما هي”، لافتًا إلى “أننا أمام مرحلة مفصلية، ويجب علينا إنهاء المركزية وتسمية المحافظات”.
وأشار رئيس مجلس النواب إلى أن المراحل التي تلت أحداث 17 فبراير، شهدت تحولًا إلى صراع عسكري في غياب الدولة، وانهيار المؤسسات، مضيفًا أن حصاد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة أسوأ ما فيه عدم تنظيم الانتخابات في موعدها، التي كانت تحظى بدعم شعبي ودولي.
النواب ينهي سلطة المنفي والدبيبة
وقال رئيس مجلس النواب إن سلطة ولاية حكومة الدبيبة انتهت بانتهاء المدة المحددة لها، ولم تحقق السلطة التنفيذية أي شيء مما جاء في الاتفاق، كما يجب إعادة النظر في الاتفاق بما يحقق المصلحة العامة، خاصة وأن المرحلة التمهيدية لم تضمن في الإعلان الدستوري الذي هو السند الشرعي لكل السلطات ويحدد ويبين اختصاصاتها، مؤكدًا أن الحكومة الليبية التي يرأسها أسامة حماد هي الحكومة الشرعية لحين اختيار حكومة موحدة جديدة.
وأكد عقيلة صالح أن مجلس النواب قرر سحب صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة من المجلس الأعلى للدولة، مؤكدًا أنه اعتبارًا من الآن مجلس النواب هو القائد الأعلى للجيش كما جاء في الإعلان الدستوري.
خلاف الكبير والمنفي
جاءت هذه التطورات مباشرة بعد رواج قرار يتحدث عن توجه المجلس الرئاسي إلى “إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، على خلفية تصرفه في وديعة مالية بصفة غير قانونية”، فيما حذر المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا “ريتشارد نورلاند” من محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة، مشددًا على أن هذه المحاولات يمكن أن تؤدي إلى فقدان ليبيا إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.
وأكد المبعوث الخاص “دعم بلاده الكامل لمصرف ليبيا المركزي تجاه تلك التهديدات والمحافظة على استقرار المصرف المركزي من أجل القيام بالدور المناط به على أكمل وجه”.
وقال المبعوث الأمريكي: “التقيت بمحافظ مصرف ليبيا المركزي لمناقشة التحركات المقلقة للجماعات المسلحة حول مقر المصرف”، مضيفًا أن “ظهور مجموعة جديدة من المواجهات بين الجماعات المسلحة في الأيام الأخيرة يبرز المخاطر المستمرة الناتجة عن الجمود السياسي في ليبيا”، في إشارة إلى معارك بين الميليشيات المسلحة في طرابلس، والتي وقعت مؤخرا بمنطقة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس، وأسفرت عن مقتل 9 أشخاص.
وأوضح أن “التهديدات لأمن موظفي المصرف المركزي وعملياته غير مقبولة”، مؤكدًا “وجوب حماية نزاهة مصرف ليبيا المركزي مثلها مثل المؤسسات السيادية الأخرى في ليبيا”.
وحذر من أن “محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة قد تؤدي إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية”، مؤكدا أن “النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا يجب أن تحل من خلال مفاوضات شفافة وشاملة نحو تحقيق ميزانية موحدة تعتمد على التوافق”.
بدوره قال مصرف ليبيا المركزي إن محافظه والمبعوث الأمريكي “ناقشا خلال اجتماع في تونس التطورات الأخيرة بشأن المصرف والتهديدات المتزايدة التي تطال أمنه وسلامة موظفيه وأنظمته”.
وتناول الجانبان “آخر مستجدات الميزانية الموحدة، وجهود المصرف المركزي في ترشيد الإنفاق، ومسار التوحيد والمحافظة على استدامة الدولة، والتطورات في أنظمة الدفع الإلكتروني وآخرها إطلاق خدمة لي باي للدفع الفوري، والتداعيات الاقتصادية والمالية الناجمة عن إغلاق حقل الشرارة، وتطورات المشهد السياسي الليبي، وعدد من المواضيع الأخرى ذات الاهتمام المشترك”.
المنفي يحاول إقالة الكبير
وفي حين لم يبين مصرف ليبيا المركزي أو المبعوث الأمريكي تلك التهديدات، إلا أن نشطاء ليبيين تداولوا خلال اليومين الماضيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا تفيد بـ “عزم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إقالة المحافظ بالاستعانة بميليشيات عسكرية غربي البلاد، بعد ضغوطات من عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة منتهية الولاية، وذلك على ضوء التقارب مع مجلس النواب وفضح إهدار المال العام الذي تسببت فيه سلطة جنيف منذ توليها المسؤولية في 2021 دون فائدة تعود على الشعب من قرارات وإجراءات تلك السلطة الفاقدة للشرعية الدستورية.
المنفي يعمق الانقسام المجتمعي بإنشاء هيئة موازية لمفوضية الانتخابات
وفي ضوء التصدي للقرارات غير الشرعية التي يصدرها المجلس الرئاسي من أجل تعميق الخلاف المجتمعي وتوسيع فجوة الانقسام بين المؤسسات الليبية، أكد مجلس النواب أن المجلس الرئاسي قد تجاوز صلاحياته بإنشاء هيئات بذمة مالية مستقلة، بالإضافة إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات هي الجهة الفنية ذات العلاقة بأي مهام تتعلق بالانتخابات أو الاستفتاءات، فهي المؤسسة المختصة وبيت الخبرة في هذا المجال، ولا مبرر لإنشاء مؤسسات موازية، إن هذا القرار من قبل رئيس المجلس الرئاسي إضافة إلى مخالفته للإعلان الدستوري يعد خطوة خطيرة غير مبررة، ونطالب رئيس المجلس الرئاسي بأن يسحبه فورًا.
وقال مجلس النواب إنه تابع قرار رئيس المجلس الرئاسي بشأن إنشاء هيئة مستقلة للاستفتاء والاستعلام الوطني تتبع المجلس الرئاسي وتتولى إجراء استفتاءات ملزمة، وهذا الأمر تجاوز صلاحيات المجلس الرئاسي المقررة باتفاق جنيف وتعداها إلى اختصاصات دستورية يحتاج الخوض فيها إلى توافق وطني واسع حول المواضيع التي تطرح ويحتاج إلى ضمانات وطنية للقبول بالنتائج، وهو الأمر الذي يصعب أن يقوم به طرف بمفرده في ظل الظروف الانتقالية التي تمر بها البلاد.
كما أكد مجلس النواب على بطلان هذا القرار، وعلى جميع المؤسسات المعنية عدم الاعتداد به أو العمل بما جاء فيه، مطالبًا رئيس المجلس الرئاسي بأن يبين للشعب الليبي ما قدمه المجلس في أهم ملفين اختص بهما وفق اتفاق جنيف، وهما الملف الأمني وملف المصالحة الوطنية.
الخلاف بين الكبير والدبيبة
ومؤخرا، تدهورت العلاقات بين الدبيبة والصديق الكبير، بشأن “الأزمة الاقتصادية” في البلاد، حيث وجه محافظ ليبيا المركزي اتهامات صريحة لحكومة الدبيبة، بـ “التوسع في الإنفاق العام، وخصوصًا الاستهلاكي، إلى جانب صرف المنح والإعانات”، مشيرًا إلى أن الدبيبة قدّم للشعب “صورة وردية للاقتصاد الليبي، بما يعد تضليلًا للرأي العام”.
وأشار الكبير في خطابه الذي أرسل صورة منه إلى النائب العام ورئيس وأعضاء اللجنة المالية بمجلس النواب، وإدارة البحوث والإحصاء، والإدارة القانونية بالمصرف المركزي إلى عمليات الدعم التهريب، مستهجنًا “اللجوء إلى استخدام احتياطات الدولة لشراء لتر الوقود بدولار وإعادة بيعه بـ3 سنتات، لتستفيد منه عصابات التهريب، وكذلك تمويل استيراد سلع أكثر من حاجة الاقتصاد الليبي، تهرب خارج البلاد”.
كما اتهم محافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير رئيس الحكومة منتهية الولاية الحكومة أيضًا بـ”التوسع في زيادة المرتبات التي تجاوزت 65 مليار دينار”، “الدولار يساوي 4.83 دينار في السوق الرسمية”، ورأى أن هذا القرار “تسبب في اتجاه سوق العمل إلى القطاع العام بسبب زيادة المرتبات، ما أضعف دور القطاع الخاص في استقطاب الباحثين عن العمل، وأجهض جهود المصرف المركزي وأهدر نتائجها، وأثَّر على قدرة المصرف المركزي في المحافظة على استقرار سعر الصرف وقيمة الدينار الليبي”.
وكان الدبيبة قد أكد في كلمة له أن وضع الاقتصاد الليبي جيد جدًا، ولا حاجة لأي إجراءات استثنائية، لكن الكبير قال إن محاولة تسويق صورة وردية للاقتصاد الوطني على هذا النحو غير الواقعي، يهدد مصلحة الوطن والمواطن، ومستقبل الأجيال القادمة، فضلًا عن كونها تضليلًا للرأي العام.
ولم تتوقف اتهامات الكبير عند حكومة الدبيبة، بل انتقد أيضًا الحكومات السابقة “لعدم تقديم أي رؤية اقتصادية على المدى القريب، أو المتوسط أو البعيد للعمل على تنويع مصادر الدخل”، محذرًا من أن الاستمرار في التوسع غير المدروس في الإنفاق العام يهدد الاستدامة المالية للدولة، ويولد مزيدًا من الضغوط على سعر الصرف والمستوى العام للأسعار، ويفاقم معدلات التضخم.
كما دعا المحافظ إلى توخي “الصدق والأمانة في توعية المواطنين، وإخبارهم بحقيقة الواقع بكل شفافية ووضوح، بما يُسهم في إشراكهم مع مؤسسات الدولة في الخروج من هذه الأزمات المتتالية التي تهدد الأمن القومي ومستقبل البلاد”، وإقرار ميزانية موحدة لليبيا، وإيقاف الإنفاق الموازي المجهول المصدر والكمية، وترشيد الإنفاق بما يحافظ على احتياطات الدولة وتنميتها لضمان حقوق الأجيال القادمة، بالإضافة إلى معالجة موضوع الدعم.
النواب يدعم الكبير أمام المنفي والدبيبة
وعلى ضوء الخلاف بين المنفي والدبيبة من جهة والصديق الكبير من جهة أخرى أصدرت هيئة رئاسة مجلس النواب قرارًا باستمرار العمل بالقرار رقم (25) لسنة 2023، الذي يفوض كلًّا من الصديق عمر الكبير باختصاصات محافظ المصرف، ومرعي مفتاح رحيل البرعصي باختصاصات نائب المحافظ.
وتضمن قرار الهيئة، كذلك إنهاء القرار السابق الذي قضى بتكليف محمد عبد السلام الشكري محافظًا لمصرف ليبيا المركزي، وذلك لمضي المدة المحددة دون مباشرته لعمله.
استمرار خلاف المشري وتكالة على رئاسة مجلس الدولة
وفي إطار الانقسامات والخلافات التي تعصف بالمنطقة الغربية تشهد الأزمة الداخلية بمجلس الدولة تطورات متسارعة، حيث أصبح المجلس في قلب عاصفة من الانقسامات والخلافات الحادة بين أعضائه بعد انتخابات رئاسة المجلس. هذه الخلافات ليست فقط سياسية، بل تحمل في طياتها تحديات قانونية وأخلاقية، ما يعكس عمق الأزمة التي تواجه المجلس على عكس ادعاءات الديمقراطية المزيفة التي طالما تغنى بها معسكر فبراير على غير الحقيقة.
في الأيام الأخيرة، حاولت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني خوري، بشكل منفصل مع كل من خالد المشري، رئيس المجلس السابق، ومحمد تكالة، الرئيس الحالي، تقريب وجهات النظر وحل النزاع الذي اشتعل بعد انتخابات السادس من أغسطس الجاري. وأكدت “خوري”، في تغريدة نشرتها البعثة الأممية عبر حسابها الرسمي على منصة “إكس”، على ضرورة إيجاد حل يحافظ على وحدة مجلس الدولة، محذرة من مخاطر انقسامه على باقي المؤسسات الوطنية.
خلفية الأزمة.. نزاع على الشرعية
تشكل الأزمة الحالية في مجلس الدولة جزءًا من الصراع الأوسع على الشرعية في ليبيا. فالمجلس الذي يُفترض أن يكون حاضنًا لتوافقات وطنية، أصبح ساحة للصراع بين تيارين متنازعين. خالد المشري، الذي ظل في منصب رئيس المجلس لعدة سنوات، يرى أن انتخاب محمد تكالة خلفًا له لم يتم بشفافية، بل وصف ما حدث بأنه انقلاب على شرعية المؤسسة. في المقابل، يؤكد تكالة أن انتخابه جاء وفقًا للائحة الداخلية للمجلس وأنه الرئيس الشرعي الذي يحق له إدارة شؤون المجلس.
هذه الخلافات امتدت إلى خارج أسوار المجلس، حيث تحدث عضو مجلس الدولة، بلقاسم دبرز، في تصريحات تلفزيونية عن أن النزاع يدور حول “ورقة واحدة”، وهي الوثيقة التي تثبت شرعية الرئيس الجديد. هذه الورقة تم إحالتها إلى المحكمة العليا، حيث يُنتظر منها إصدار قرار حاسم ينهي هذا النزاع.
التوترات تتصاعد والمشري يتسلل إلى المقر
من الأمور التي زادت من تعقيد الأزمة هي اتهامات وجهها دبرز إلى المشري بـ”التسلل” إلى مقر مجلس الدولة في جنح الظلام، ومحاولة فرض نفسه رئيسًا للمجلس بطريقة غير شرعية. بحسب دبرز، فإن المشري دخل المقر دون أي مرافقين من نوابه الأول أو الثاني، وهو ما اعتبره تجاوزًا للأعراف والقوانين التي تنظم عمل المجلس. هذا التصرف زاد من حدة التوتر داخل المؤسسة، خاصة وأن الورقة التي تُثبت شرعية تكالة ما زالت تحت النظر في المحكمة العليا.
المحاولات لتهدئة الأوضاع جهود تواجه عقبات
في ظل هذا الصراع، تبرز مساعي بعض أعضاء المجلس للتهدئة ومحاولة إيجاد حل توافقي. عضو مجلس الدولة أحمد لنقي أشار إلى وجود جهود للتواصل بين الطرفين المتنازعين، بهدف الوصول إلى صيغة توافقية تحافظ على وحدة المجلس وتمكنه من الاستمرار في أداء مهامه. وتوقع “لنقي” أن تطرح لجنة التواصل صيغة توافقية على الأعضاء لمناقشتها في بداية الأسبوع المقبل، لكنها في نفس الوقت أشار إلى أن هذه الجهود تواجه عقبات كبيرة بسبب تعمق الخلافات.
تداعيات الأزمة.. تأثيرات على المشهد السياسي الليبي
إن انقسام مجلس الدولة لا يمكن أن يُنظر إليه بمعزل عن المشهد السياسي العام في ليبيا. عضو المجلس خليفة المدغيو أشار في تصريحات صحفية إلى أن مجلس الدولة بات مفسدًا بسبب الرشاوى والتلاعب بالمناصب من كلا الجانبين المؤيدين للمشري وتكالة. هذا الانقسام أضعف دور المجلس في مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالبلاد، ومنح رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح فرصة إلغاء اتفاق جنيف وسحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي.
نهاية غير محسومة.. انتظار القرار القضائي
وفي انتظار القرار الحاسم من المحكمة العليا، يبقى مجلس الدولة في حالة من الشلل الفعلي. محمد تكالة يستمر في إدارة شؤون المجلس مؤقتًا، بينما يبقى مصير هذا المجلس معلقًا على ما ستقرره المحكمة. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة لتهدئة الأوضاع، فإن الانقسامات العميقة داخل المجلس قد تجعل من الصعب إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي في المستقبل القريب.
المنقسمون يرفضون قرارات مجلس النواب
وبينما يعيش المشري وتكالة حالة من الانقسام الداخلي حول رئاسة مجلس الدولة ينتقدون من جهة أخرى في بيانين منفصلين، إجراءات مجلس النواب “بسحب صفة القائد الأعلى للجيش الليبي من المجلس الرئاسي”، حيث أدان تكالة في بيان، الثلاثاء الماضي، ما وصفه بـ”الإجراءات الأحادية” المتخذة من مجلس النواب، مشيرًا إلى أنها جاءت “بمعزل عن شريكه مجلس الدولة والتعدي على مهامه وصلاحياته”.
وذكر أن “السلطة التنفيذية هي المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، والقائد الأعلى للجيش هو المجلس الرئاسي، وفقًا لاتفاق جنيف”، معتبرًا أن “أي تغيير في المشهد السياسي ينبغي أن يتم الرجوع فيه لكل الليبيين، من خلال آلية مناسبة متوافق عليها”.
من جهته، وصف المشري في بيان آخر، قرار “سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي بأنه باطل”، معتبرًا أنه “خالف المادة 12 من الاتفاق السياسي”، لـ”عدم التوافق مع المجلس الأعلى”.
وأضاف: “طبقًا لما نصت عليه المادة 12 من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي، أنه في حال اقتضى الأمر إجراء تعديل لاحق للإعلان الدستوري يمس الاتفاق أو إحدى المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر، يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهما على صيغة هذا التعديل على أن يتم إقراره نهائيًّا، دون تعديل من مجلس النواب، وفقًا للآلية الواردة بالإعلان الدستوري”.
الرئاسي يعترض على قرارات مجلس النواب
من جانبه، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، إن “السلطات والأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي، تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي المبرم عام 2015″، مشيرًا إلى أن “أي تعديل يطال هذه الأجسام أو اختصاصاتها يتطلب العودة لنصوص هذا الاتفاق”.
ودعا اللافي في حسابه على منصة “إكس”، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لـ”بذل المزيد من الجهود لإقناع الأطراف بسرعة الالتقاء لمناقشة القضايا السياسية الملحة، إذ إنها باتت اليوم تهدد بانجرار الأوضاع نحو النزاعات المسلحة التي قد تعصف بقرار وقف إطلاق النار”.
كما حث اللافي الجميع على “تغليب مصلحة الوطن عبر تعزيز فرص الحوار بإرادة وطنية صادقة، وخطوات فاعلة تخفف من حدة الاستقطاب، وتساهم في استقرار الوطن وتصون وحدته”.
القوات المسلحة العربية الليبية ترحب بقرار مجلس النواب
وفي السياق رحبت القوات المسلحة العربية الليبية في بيان، بقرار مجلس النواب بشأن صفة وصلاحيات القائد الأعلى “التي يملكها مجلس النواب صاحب الشرعية الدستورية، وهو الجسم السياسي الوحيد المُنتخب من قبل الشعب الليبي”.
وشددت القوات المسلحة العربية الليبية على “ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية التي يتطلع إليها أبناء الشعب الليبي، وصولًا إلى مرحلة الاستقرار الدائم”.
وسبق أن أُجّلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021، إلى أجل غير مسمّى بسبب الخلافات المستمرة، لا سيما بشأن القاعدة القانونية للاقتراع، ووجود مرشحين مثيرين للجدل.
وتشهد طرابلس بين حين وآخر اشتباكات بين الميليشيات المسلحة، كان آخرها، ما أعلنه جهاز الإسعاف والطوارئ عن سقوط 9 أشخاص على الأقل، وإصابة 16 آخرين، الجمعة، في اشتباكات بين فصيلين مسلحين في تاجوراء الواقعة شرق طرابلس.
ويضغط مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة تنهي انقسام السلطة التنفيذية، لكن مهمته تبدو صعبة في ظل معارضة أطراف غرب ليبيا لهذا المقترح وعلى رأسها رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، الذي يتمسك بالبقاء في منصبه إلى حين إجراء انتخابات، قائلًا إنه لن يترك منصبه قبل إجراء انتخابات في بلاده واختيار سلطة جديدة، بينما يبحث مجلس النواب عن بديل له، ويضغط لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يعمق الانقسام ويتسبب في تأجيل الانتخابات.
وفي مارس الماضي، عُقدت جلسة تحت مظلة جامعة الدول العربية بدعوة من الأمين العام لجامعة الدول العربية حضرها رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة بشأن تقريب وجهات النظر وحل النقاط الخلافية التي تخص كيفية الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وتم الاتفاق على رفض أي تدخلات خارجية سلبية في العملية السياسية الليبية ومرجعية الاتفاق السياسي، كما أكدوا وجوب تشكيل حكومة موحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن.