إصلاح التعليم
بقلم/ عبد الهادي شماطة
التعليم هو بوابة المجتمع للمستقبل، وكل مجتمع يعطي الأهمية للتعليم بالدعم السخي والمتابعة الدائمة لإصلاحه إنما يحفظ مجتمعه من الانهيار ويحفظ أمنه القومي، فهو المساهم الأول في التنشئة الاجتماعية لتعليم أبناء المجتمع التكيف والتواصل مع مجتمعهم، وهو الوسيلة لنقل قيم المجتمع وأعرافه للأجيال القادمة وهو من يحفظ تراث وقيم ودين المجتمع وينقلها لأبنائه، وهو وسيلته لتربية ولتوحيد رؤية وتفكير ـبنائه عبر برامج ومناهج موحدة في أنحاء البلاد، ولذلك فإن الاهتمام بالتعليم هو دفع للدماء الصافية الحاملة للتربية أولًا والعلم ثانيًا في جسد المجتمع.
إن كل ما تدفعه الدولة في سبيل نهضة التعليم لا يمثل خسائر، بل ستجني في مقابله إنتاج مواطنين صالحين تربويًّا وعلماء ومتخصصين وفنيين في كل ضروب الحياة، يدفعون بالبلاد إلى التطور والتقدم.
لا شك أن بلادنا تعاني أزمة حقيقية عميقة، فربما خروج البلاد من التصنيف العالمي للتعليم هو مؤشر الأزمة، ولكن جوهرها خريجون من الجامعات لا يمكن أن يكونوا بمستوى ينال الرضا ويحقق الأهداف، فهم لا يجيدون حتى كتابة أسمائهم، ولا تستطيع تقييمهم عند اختبار ثقافتهم، وأضف إلى ذلك محتواهم التربوي الضعيف جدا.
إن التعليم يحتاج إلى نظرة جادة لإعادة بنائه من حيث الشكل والمحتوى وتحديد أولوية الأهداف فيه للتربية لإنتاج المواطن الصالح والاهتمام بالأهداف السلوكية حسب حاجة المجتمع والعمل على تغيير النظرة العامة بضرورة أن يدرس ابننا الطب أو الهندسة وإلا فإن تعليمه سيكون بمستوى لا يحقق أهداف الأسرة، إن نظرة التقييم من خلال الوظائف لابد أن يتجاوزها المجتمع بالوعي.
التعليم في ليبيا بذلت فيه جهود كبيرة، لكنها ليست مخططة باحتياجات المجتمع الحقيقية، فقد تطور أفقيًّا ولم يتحسن رأسيًّا، ازداد عدد الجامعات بصورة تثير العجب وتخرج الآلاف من أطباء ومهندسين وغيرهم وصاروا يعملون في المقاهي، فتصوروا أن دولتنا تخرج آلافًا من أطباء الأسنان والدولة لا تحتاج أطباء أسنان لمدة عشر سنوات قادمة، وتخرج مهندسين زراعيين بالآلاف سنويًّا في بلد لم تعد فيه زراعة.
لا بد من الجرأة والجراءة واتخاذ إجراءات حاسمة، حيث لا بد من إعادة هيكلة التعليم في ليبيا وتحديد الاحتياجات الفعلية وقفل معظم الجامعات وتحديد القبول المجاني للجامعات بحسب التقديرات العلمية في الثانوية العامة وحسب ما تتطلبه احتياجات الدولة، وأما الباقي فمن أراد أن يتعلم خارج مخططات الدولة وخارج الأعداد المطلوبة فعليه دفع قيمة تعليمه، فالمجتمع لا يمكنه صرف ميزانيات لتعليم غير مجدٍ وخارج احتياجاته الفعلية، لكنه يمكن أن يسهل لهم الحصول على قرض دراسي يسدده مستقبلًا لتنفيذ الطالب رغبته بعيدًا عن مخططات المجتمع.
كذلك فإن التعليم الأساسي لا بد من إعادة هيكلته ودراسة مراحله التي يمكن تعديلها واختصارها، فلا بد من سنة كاملة قبل دخول الجامعة من الإعداد الجيد للطالب والتأكد من أنه قادر على الاستمرار في دراسة التخصص الذي اختاره.. ويصحب ذلك إعادة النظر في كافة المعلمين والمعلمات في كل مراحل الدراسة والتأكد من خلو شهاداتهم من التزوير وإعادة تقييمهم وضرورة اشتراط المؤهل أو الدبلومة التربوية لمن يستأمن على أبنائنا، ومع كامل الاحترام البعض أدنى من أن يستلم مهمة تربية أبنائنا، فربما هو نفسه يحتاج إلى تقويم.
هناك الكثير مما يجب الحديث عنه بجرأة في مجال التعليم، فهو عماد الوطن ويستحق الصراحة وعدم المجاملة، فالكارثة كما ترون تستحق النقد والمصارحة ثم المصارحة وربما المواجهة.