من درنة إلى تهالة
بقلم/ ناصر سعيد
المسافة الزمنية بين كارثتي درنة وتهالة هي أقل من عام بشهر واحد، ورغم اختلاف الحادثتين من حيث حجم الضحايا والخسائر، إذ بلغت الخسائر البشرية في سيول درنة عشرات الآلاف، فيما لم تسجل في تهالة وما جاورها إلا خسائر مادية في الممتلكات العامة والخاصة حتى الآن، ومن خلال ما تناولته المتابعة الصحفية والرصد يتبين أن مناطق تهالة وغات والبركت والفيوت شهدت خلال السنوات الماضية سيولًا سببت خسائر مادية كبيرة للسكان وأحدثت أضرارًا بالمساكن والمواشي والطرق وأعمدة الكهرباء والاتصالات وهي مناطق ملتقى للأودية بعضها يتدفق من مصبات قريبة وبعض آخر من مصبات في الجزائر المحاذية لهذه المناطق، مما يطرح سؤالًا أساسيًّا أمام حالة التسيب والإهمال لهذه المناطق الهشة تنمويًّا وعمرانيًّا، رغم أهميتها الجيوسياسية والاجتماعية باعتبارها مناطق حدودية تحتاج إلى برامج تنموية واقتصادية لتعزيز فرص السكان في الحياة الكريمة وتحقيق كل عوامل التنمية والاستقرار وعدم تركها في حالة تسيب وإهمال يؤدي إلى فراغ ونزوح، وقبل كل هذا يظل سكان هذه المناطق ليبيين يعيشون فوق أرضهم بكل صبر وتحمل واحترام، ويمارسون العمل الحر الشريف في الزراعة والمهن السياحية التي تنتشر في أماكن الجذب السياحي التي تزخر بها المنطقة، ولم تسجل الظواهر السلبية كالتهريب وتجارة البشر أسوة بباقي المناطق الحدودية بليبيا.
نعود من هذه النقطة لنتساءل عن دور هيئة السلامة الوطنية التي تم إنشاؤها لمواجهة الكوارث الطبيعية والحرائق وتصرف لها الأموال سنويًّا بأرقام خيالية، وفي كل كارثة لا نرى أي تواجد يذكر أو دور توعوي أو إعلامي، ناهيك عن الدور الميداني في الإنقاذ والإيواء والإنذار المبكر لمثل هذه الكوارث، ونطالع دائمًا الدور المحلي الشعبي في المقدمة ودور القوات المسلحة والهلال الأحمر والعديد من المبادرات التي لا يجب أن تتجاوز الدور المسند إلى هذه الهيئة التي كان عليها الانشغال الدائم بمتابعة هذه المسائل مع الأرصاد ومراكز التنبؤ والاستشعار وقطاعات الصحة والمواصلات، والعمل المشترك للقيام بكافة التحوطات والتدابير بشكل مسبق، لا أن نرى المعالجات والفزعات الشعبية التي رغم نبل مقاصدها ودوافعها إلا أنها تظل عملًا يتسم أحيانًا بالعشوائية وأحيانًا بعدم القدرة على تحقيق الغايات المرجوة من تلك الجهود.
إننا مجددًا ندق جرس الإنذار بأن المتغيرات المناخية في تزايد مستمر، وفي كل مرة بشكل أعنف وأكثر ضررًا وبأنه على كافة السلطات تحمل مسؤولياتها في الإعداد وأخذ الاحتياطات اللازمة، وأن مسؤولية الأجهزة الحكومية في الاستعداد المبكر للكوارث والتقليل من خسائرها، ويبقى الدور الشعبي ومساعدات الجيش ومؤسسات الهلال الأحمر والكشافة وباقي الأطر المجتمعية دورًا مؤازرًا ومكملًا للدور المهني والفني المناط قانونًا بهيئة السلامة الوطنية ومصلحة الأرصاد الجوية، وتظل الأموال التي تنفقها هذه المؤسسات أموالًا عامة من حق الجميع أن يتساءل عن أوجه إنفاقها وعن غياب أثرها في مثل هذه الظروف الطارئة.