مقالات الرأي

مترشحون ووعود وتجارة الولاءات!! 

بقلم/ مصطفى الزائدي

‏‏مجموعات وطنية كثيرة تحاول استثمار ما يجري من تطورات وتغيرات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي من أجل البحث عن مخارج للأزمة الليبية المعقدة، وفي نفس الوقت مجموعات أخرى تعمل على تثبيت ما تحصلوا عليه من ميزات بسبب الوضع الراهن، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة على عرقلة أي خطوة قد تؤدي إلى التقدم إلى الأمام.

لا شك أن الخطوة الأساسية للخروج من الأزمة تكمن في بناء توافق وطني بأي قدر، وتكوين سلطة موحدة لها المقدرة والكفاءة على إدارة الدولة والتهيئة لعملية انتخابيّة رئاسية ونيابية لبناء سلطات تشريعية وتنفيذية تتمتع بتفويض شعبي أيًّا كان شكله وحجمه.

ما يلاحظ من إجراءات، سواء في مجلس النواب الذي اتخذ الخطوة الجريئة الهامة بتجميد ما عرف بالاتفاق السياسي في الصخيرات، الذي هو أساس الأزمة وسببها الأول، والحد من صلاحيات السلطة المفروضة بموجبه في المركز، والضغط لتوزيع الثروات الوطنية بعدل، لتحقيق قدر من التنمية والبناء بعيدًا عن سياسة النهب والفساد والهيمنة الأحادية، كذلك ما حدث في مجلس الدولة من صراعات حول تكليف رئيس مجلس الدولة يتمتع بقدر من الشرعية من أعضاء المجلس، ورغم ما شاب الانتخابات من شوائب فإنه بيّن أن عددًا كبيرًا من أعضاء مجلس الدولة ربما تركوا التخندق خلف الشعارات الأيديولوجية وقرروا التجاوب مع المتطلبات الوطنية في توحيد مؤسسات الدولة.

‏مؤسسات الدولة الليبية المقسمة، ليس لأسباب موضوعية ولا لمشاكل مجتمعية ولا حتى نتيجة لأزمة سياسية حقيقية، بل هي مقسمة بفعل فاعل نتيجة التدخل والضغط الأجنبي لتمكين هذا الطرف أو ذاك من بسط سيطرتها على الموارد وتسخيرها بما يخدم مصالح الدول المتداخلة في ليبيا. توحيد مؤسسات الدولة أمر ليس بالمستحيل وإن كان يواجه كثيرًا من الصعوبات والعراقيل، لكني أتصور أن الفرصة سانحة واللحظة مناسبة للخط الوطني لتقديم كافة أشكال الدعم لما يقوم به بعض الإخوة من مجلس النواب والدولة وتشجيعهم لاختيار سلطة توافقية فعالة ومقتدرة.

السؤال الذي يطرحه كثير من الليبيين وبعيدًا عن التعمق حيثيات إجراءات توحيد السلطة التنفيذية يدور حول الشخوص التي ستتولى إدارة هذه السلطة الموحدة، خاصة بعد التجارب المريرة التي مر بها الشعب طيلة تسع سنوات من اتفاق الصخيرات الذي شكل حكومة وحدة وطنية يمكن وصفها بكل ثقة بأنها فقط سلطة فساد وتبعية ونهب.

الدولة تبنى فقط على شخصيات وطنية لها الكفاءة والقدرة وزاهدة في السلطة، لذلك فإن فكرة اختيار الأشخاص والمفاضلة بينهم على أساس أن مرشحًا معينًا يتقدم ببرنامج، ثم تقييم الشخصيات ويفاضل بينها وفق البرامج التي يقدمونها كلام نظري جيد، لكنه بعيد عن الواقع، فما يقوله كل المترشحين دائمًا وفي أي انتخابات وعلى أي مستوى لا علاقة له لا بقدراتهم الشخصية من جانب ولا بما يلتزمون بتنفيذه، من جانب آخر. ولو رجعنا واستمعنا إلى الكلمة التي وجهها عبد الحميد الدبيبة إلى لجنة الخمسة وسبعين في جنيف لقلنا إنها صادرة من مفكر كبير وسياسي بارع، ووطني مخلص، لكن اليوم بعد أربع سنوات من معاناة الشعب مع السيد عبد الحميد دبيبة وحكومته يستطيع ن يلاحظ أن الأفعال ليست كما الأقوال، ولذلك من المهم التركيز على مقدرة الأشخاص السياسية وكفاءتهم التقنية والتزامهم الوطني. فحقيقة طيلة السنوات الماضية وما مرت به البلاد من هنا تجارب قاسية أفرزت عددًا كبيرًا من الشخصيات التي أثبتت عمليًّا إخلاصها للوطن والتزامها بقضاياه وكفاءتها الفنية والسياسية، هذه الشخصيات لا شك أنها لن تعرض نفسها ولن تتوسل التزكيات ولن تشتري الأصوات بوعود للتعيينات، وبالتأكيد فهي لن تكون في وارد لتقديم الرشاوى لإرضاء أعضاء مجلسي النواب والدولة.

هذه رسالتي إلى الإخوة المتصدرين للمشهد، خاصة الإخوة في مجلسي النواب والدولة والإخوة في القيادة العامة والإخوة من الشخصيات الوطنية والمجموعات المسلحة بضرورة الانتباه إلى هذا الأمر، وإلا فالمنتج سيكون تكرارًا لسابقيك وعندها ستكون الحرب النتيجة الحتمية!

يقول الأولون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن طالب الولاية لا يولى!! فكيف نقول لمن يتوسل للحصول على ولاية ما، ومن لا يتورع في تقديم الرشاوى للحصول عليها؟

 كل أولئك ينبغي أن يبعدوا من الطريق! سيقول قائل وما العمل؟ كيف نفاضل بين الأفضل؟ في تصوري إن المرحلة تتطلب أن تتشكل مجموعة من مجلسي الدولة والنواب وشخصيات وطنية من غير أصحاب المصلحة تتولى الاتصال بالشخصيات وإقناعها بأن تتقدم لتحمل المسؤولية في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ الليبي.

جهد سيكون صعبًا لا شك، لكنه وسيلة آمنة وناجحة لبناء سلطة توافقية لا يطمع من يصل إليها في تحقيق سلطة دائمة تجعله يعمل ما في وسعه على تأجيل الانتخابات، وهذا ما رأينا من حكومة السيد السراج وعبد الحميد، الذي لم يتورع أن يقول في العلن إن الالتزام الذي قطعه على نفسه بعدم الترشح في الانتخابات العامة إنما هو التزام أخلاقي يستطيع أن يتراجع عنه في أي وقت!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى