في مواجهة الضم
بقلم/ محمـد علوش
أسهمت جرائم الاحتلال ومجازره المروعة والإرهابية ضد شعبنا الأعزل في غزة وفي الضفة في إبراز طابعه الدموي والفاشي، الذي لعب دورًا هامًّا في استقطاب التأييد العالمي الواسع لقضيتنا الوطنية الفلسطينية، وذلك من موقع إدانة الاحتلال وجرائمه، ما جعلها تقتحم كافة المحافل والمؤسسات الدولية، وتحولت القضية الفلسطينية إلى القضية الأولى والمحورية على جدول أعمال المجتمع الدولي.
في ظل التحديات المصيرية والحاسمة التي تعيشها القضية الفلسطينية، وفي إطار مواجهة سياسات وعمليات الضم وأسرلة الأرض الفلسطينية، والتي يعتبرها المجتمع الدولي خرقًا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وجزءًا من خطة الحسم التي تتبناها حكومة نتنياهو، والتي تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة باعتبارها استيلاء على أراضي الغير بالقوة، يتطلب منا رؤية فلسطينية موحدة لمجابهة كل هذه التحديات وإسقاط أوهام الاحتلال وكافة مشاريعه الاستعمارية والإحلالية.
إن ضم أراضي الدولة الفلسطينية في العقلية الإسرائيلية وجزء من عقيدتها الأمنية الاستعمارية، والآن تعمل إسرائيل وبالشراكة مع الإدارة الأمريكية وفي ظل اختلال موازين القوى وفرض الأمر الواقع والعقاب الجماعي وما يسمى بشرعنة البؤر الاستيطانية، على تطبيق ذلك، وهذا الفصل الفاشي يمثل خطوة متقدمة في صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقد شرعت الحكومة الفاشية بشن حرب واسعة النطاق لفرض الضم وتعزيز الصراع في الضفة الغربية وعليها، بأشكال وأساليب شتى، من خلال القوانين العنصرية والعقابية وأوامر المصادرة للأراضي في مناطق عديدة، إلى جانب اتخاذ قرار من “الكنيست” بالأغلبية برفض إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفرض الحكم العسكري على المنطقة “أ”، وتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية، وكذلك فرض الحصار المالي عليها، وكل الممارسات العدوانية اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال، بحيث باتت الضفة الغربية بموجب قوانين الاحتلال الإسرائيلي أشبه بجزء من دولة إسرائيل، في مسعى مستمر لتقويض النظام السياسي الفلسطينية وتغيير شكل ومضمون هذا النظام ليتحول إلى مجرد كيان وظيفي يخدم الخدمات ووكيل أمني للاحتلال، الذي يواجه فلسطينيًّا بكل تأكيد سعيًا إلى تجسيد دولة فلسطين على الأرض وهو ما يحتاج إلى خطوات أكثر جدية بهذا الجانب وإعلان دستوري لتحديد هوية وطبيعية ونظام حكم دولة فلسطين.
هناك موقف فلسطيني لكنه يحتاج إلى متابعة وإلى مزيد من التحركات على كافة المستويات، فقد أبلغت القيادة الفلسطينية كافة الأطراف الدولية بموقفها الرافض لما يسمى عمليات الضم، التي تتطلب المواجهة بكافة الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية والإعلامية، والنضالية، سواء من خلال محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية باعتباره جريمة حرب، وبالمقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة، فمخاطر الضم ما زالت قائمة، وحكومة الاحتلال تحاول خداع الرأي العام العالمي والتخفيف من الردود الدولية، بتسويق الضم المتعلق بالكتل الاستيطانية الكبرى على أنه جزء من “التفاهمات السابقة لتبادل الأراضي مع الفلسطينيين”، وهذا أيضًا مرفوض، فضلًا عن كونه مخالفًا لكافة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وهو تضليل للرأي العام والموقف الدولي، وشعبنا لا يمكن أن يقبل وسيواجه كل ما يحاول الاحتلال القيام به على الأرض الفلسطينية المحتلة.
لقد استطاعت دولة فلسطين مع أصدقائها من دول العالم كافة بلورة وبناء جبهة دولية رافضة ومناهضة للضم، ومن الأهمية اليوم وأمام التحديات المصيرية التي تواجه شعبنا وقضيتنا إعادة تنسيق كل هذه الجهود مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية وبلدان الجنوب ودول الاتحاد الأوروبي ومع الدول العربية المختلفة باتجاه تبني مواقف دولية عملية قابلة للتطبيق على الأرض من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على دولة الاحتلال، وخفض التمثيل الدبلوماسي، ووقف الاستثمارات في دولة الاحتلال، وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية على خلفية كافة الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني.
لقد أسهمت جرائم الاحتلال ومجازره المروعة والإرهابية ضد شعبنا الأعزل في غزة وفي الضفة في إبراز طابعه الدموي والفاشي، الذي لعب دورًا هامًّا في استقطاب التأييد العالمي الواسع لقضيتنا الوطنية الفلسطينية، وذلك من موقع إدانة الاحتلال وجرائمه، ما جعلها تقتحم كافة المحافل والمؤسسات الدولية، وتحولت القضية الفلسطينية إلى القضية الأولى والمحورية على جدول أعمال المجتمع الدولي، وهذا ما يجب أن يعزز فينا الإصرار على الصمود ومواصلة النضال بكل أشكاله للتصدي للاحتلال، وإرغامه على الرضوخ للحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في الحرية وتقرير المصير وعودة اللاجئين وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.