غواية الدرهم والدينار
بقلم/ ناجي إبراهيم
جاء اتفاق جنيف تحت عنوان إنهاء الانقسام والذهاب إلى انتخابات تنهي المراحل الانتقالية، وكانت الطرد الملغوم الذي حمل معه مخاطر جديدة تهدد وحدة الدولة الليبية، ولم تضع آلية لإنهاء حالة الانقسام التي أحدثها اتفاق الصخيرات، بل أنتجت وضعًا خطيرًا باعتمادها خط سرت الجفرة الذي ينذر بميلاد وضع جيوسياسي يهدد الوحدة الوطنية.
على الرغم من إيماني بأن المجالس النيابية تمثيل خادع للشعب (والمجلس النيابي حكم غيابي) وبما أن الشعب قد وكَّل ممثلين ينوبون عنه في الحكم وبغض النظر عن حجم المشاركة علينا احترام قرار الشعب وفقًا للقانون الأساسي الذي حدد شكل النظام السياسي وآليات اختيار السلطة، حيث إن القانون الذي أنتج المجلس الوطني هو ذاته الذي انبنت عليه انتخابات مجلس النواب، ووفقًا لذات القانون المجلس الحالي يجبُّ المجلس الذي يسبقه، إلا أن ذلك لم يحدث حيث ذهب بنا الخارج (الذي لم تتوافق نتائج انتخابات البرلمان مع مصالحه) إلى الصخيرات وشكل سلطة من خارج النظام القانوني وأدخل تعديلًا على القانون ليتوافق مع هذا المولود غير الشرعي الذي تشكلت بناءً عليه حكومة موازية لحكومة البرلمان وبرلمان آخر يتقاسم السلطة التشريعية مع البرلمان المنتخب، واستمر هذا العبث وكان سببًا في انقسام أفقي وعمودي في المجتمع الليبي وخاصة السياسي، وفاقم من الاستقطاب والانقسام الثنائي، في مختلف المؤسسات مما عمق معاناة المواطن وفتح كل الأبواب على التدخين الخارجية، ولم يتركوا بابًا موصدا إلا وخلعوه على رياح الصراعات الدولية، التي تحولت ليبيا إلى واحدة من ميادينها وبوابة لهم على ساحات ومناطق أخرى.
جاءت جنيف تحت عنوان إنهاء الانقسام والذهاب إلى انتخابات تنهي المراحل الانتقالية وكانت الطرد الملغوم الذي حمل معه مخاطر جديدة تهدد وحدة الدولة الليبية ولم تضع آلية لإنهاء حالة الانقسام التي أحدثها اتفاق الصخيرات، بل أنتجت وضعًا خطيرًا باعتمادها خط سرت الجفرة الذي ينذر بميلاد وضع جيوسياسي يهدد الوحدة الوطنية التي غلفت اتفاق جنيف.
ولم تتوقف الأيادي الخارجية عن التدخل في الشأن الداخلي ومنعت عقد الانتخابات التي وُعد بها الليبيون لتنهي حقبة من الصراعات العبثية والانقسام الذي عرفته المؤسسة الأمنية لصالح تغول الميليشيات ولم تنه جنيف الانقسام الذي حدث عقب اتفاق الصخيرات.
أنا هنا لست بصدد إعطاء دروس في السياسة لنخبة سنة أولى سياسة، ولكن علينا تبيين الخطر الذي يتهدد الوطن، المجتمع الليبي جراء تمسك الأجسام السياسية بمراكزها التي ارتقتها ولا تريد النزول عنها لمصلحة وطنية ويغلبون مصالحهم الشخصية في كل تحركاتهم وردودهم الانفعالية واصطفافاتهم المناطقية والعقائدية والشللية وغواية الدرهم والدينار، كان على مجلس النواب منذ فرض اتفاق الصخيرات أن يقيل نفسه ويعلن ليبيا دولة محتلة والدعوة إلى تشكيل قوة عسكرية لمقاومة التواجد والتدخل الخارجي بجميع أشكاله، وأيضًا ما كان للقوات المسلحة العربية الليبية التي تشكلت في شرق ليبيا لمحاربة القوى الظلامية والإرهابية أن تنخرط في الأعمال السياسية وأن تقاطع طاولات المفاوضات والحوارات التي لا تنتج نهاية لسيطرة الميليشيات المدعومة من قوى خارجية، وكان عليها الزحف على مناطق غرب ليبيا تحت شعار تحرير ليبيا وكان ذلك سيوحد الليبيين من شرق البلاد على هدف لا يختلف عليه اثنان.
هذا لم يحدث وانشغلنا بمعارك جانبية وتقاسم الغنائم وعائدات النفط وفتحنا أبوابًا للمساومات، وحتى الضغوط وبالتالي انقسم الناس وفق مصالحهم وانتماءاتهم، الأمر الذي قد يذهب بنا إلى صراعات لا تنتهي عندما يكون هدفنا السلطة وبأي ثمن.
الدبيبة في معرض رده على قرار البرلمان بسحب الثقة منه للمرة الثانية يعتبره رأيًا سياسيًّا صدر عن ناشطين سياسيين ولا أثر له وهو والعدم سواء، وتمترس بما سماه الاتفاق السياسي الذي نتج عن لقاء جنيف برعاية ستيفاني وليامز، وهو بذلك صادر قرار الآلاف من الليبيين الذين انتخبوا البرلمان الليبي وضرب بقرارهم عرض الحائط وداس على ممثلي الشعب بالأقدام الذين منحوه الثقة في سرت تنفيذا لاتفاق جنيف وذلك أمر محتم عندما قبل البرلمان اتفاق جنيف رغم عدم مشاركته فيه.
وبين الدبيبة أن شرعية الخارج تعلو شرعية الشعب الليبي مستفيدا من تجربة سلفه الذي حكم بشرعية الصخيرات وتخلى عن الحكم بقرار ستيفاني وليامز في جنيف دون أن يبدي أي معارضة، وذلك أمر طبيعي فمن يشكل الحكومة هو من ينهي ولايتها، وبذلك على الليبيين أن يدركوا وبالدليل أنهم لا يملكون قرارهم والأمثلة كثيرة يلمسها المواطن في كل يوم، وآخرها زيارة مدير البنك المركزي للمبعوث الأمريكي بمقر إقامته في تونس ليفشل محاولة الدبيبة لإقالته.
كل يوم تثبت لنا حكوماتنا أنها جاءت بتوافق المتدخلين من الخارج وأنها وكيل حصري له وتعلن ذلك وبلا خجل.
هل سيستمر هذا الوضع طويلًا دون أن نرى تحركًا شعبيًّا في الشوارع ليس بالضرورة أن ينهي هذا الوضع بضربة واحدة، ولكن على أقل تقدير نُسمع العالم ولو لمرة صوت الشعب؟