مقالات الرأي

تعاندت لرياح والكيد جاء عالصاري

 بقلم/ فتح الله سلطان 

لقد نجحت إسرائيل في إنتاج وإخراج مسلسل الخريف العربي بطولة أمريكا والدول الغربية وبتواطؤ وعمالة من بعض الحكام العرب المتصهينين حتى أن جيوشهم قاتلت جنبًا إلى جنب مع الجيوش الغربية ضد دول عربية بعينها شقيقة لهم ناصبت العداء لإسرائيل وأمريكا والغرب، إنه لشيء غريب ويحز في النفس أن ترى العربي يحلل ويبيح قتل وتدمير بلدان عربية مسلمة شقيقة تحت فتاوى مضللة ومسميات ومبررات مختلفة سخرت لخدمة العدو الصهيوني.

أعتقد أن هذا المثل الشعبي الليبي ينطبق تمامًا على حال غزة العزة، حيث وقعت ضحية الكراهية الطائفية بين الفرقة السنية والفرقة الشيعية لصالح المستفيد الأعظم اليهودي العدو الأزلي للإسلام والمسلمين وصنيعته الحركة السياسية الصهيونية وأداتها الطفيلية المسماة إسرائيل، وبمباركة واضحة ودعم مطلق تمامًا من الدول الغربية وأمريكا وتحيز فاق كل التخيلات وبعنجهية وتحدٍّ سافر للقيم والأخلاق والقوانين والتشريعات الدولية التي أقرتها واعتمدتها نفس الدول. 

هذا التمهيد ضروري للدخول في صلب الموضوع مباشرة، فالضخ الإعلامي الغربي الموجه والمركز لخدمة المصالح الإسرائيلية بالمنطقة العربية مدعومًا بالقوة الاقتصادية والهيمنة العسكرية للدول الغربية خاصة أمريكا، والتزييف المتعمد المستمر في قلب الحقائق والمنحاز بالكامل لصالح الكيان الصهيوني الإسرائيلي حتى كاد يجعل الكثير من شعوب العالم ينجر وراء هذا الخداع الغربي الصهيوني المضل والتسليم بمصداقيته، بما في ذلك الكثير من الحكام العرب والمسلمين وشعوبهم الذين صدقوا الرواية الغربية بأن العدو التقليدي الأول للدول العربية والإسلامية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليست إسرائيل وبرنامجها الوجودي الاستيطاني التوسعي على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وأن إيران تخطط للسيطرة ونشر المذهب الشيعي مقابل المذهب السني بقيادة المملكة العربية السعودية!! وشتان بين موقف كلا البلدين من صراع الوجود بعزة وكرامة وإعداد العدة لمجابهة تحديات الغرب وإسرائيل، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تمكنت من تصنيع كل احتياجاتها المدنية والعسكرية البرية والجوية والبحرية محليًّا، وكذلك وبالرغم من الحصار فهي حريصة على إتمام برنامجها النووي لردع إسرائيل إذا فكرت يومًا ما في استخدام السلاح النووي ضدها!! وبالمقابل فقد اعتمدت المملكة العربية السعودية وجيرانها من دول الخليج على حماية عروشهم ودولهم من قبل أمريكا والدول الغربية معرضين أنفسهم وحرمة دولهم للإهانة والابتزاز والبلطجة والسخرية في كل وقت وحين، ولعل التصريحات العلنية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق ترامب وابتزازه للسعودية خير دليل.

نعم هناك خلاف تاريخي سياسي مذهبي بين السنة والشيعة منذ تولي الصحابي الجليل أبوبكر الصديق رضي الله عنه الخلافة إلى يومنا هذا، ولكن هذا الخلاف ليس مبررًا لترك أهل غزة العزة يقاتلون العدو المشترك الإسرائيلي لوحدهم بحجة أن حماس تحالفت مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية، هذا المبرر لا يستقيم مع واقع الحال، فأهل غزة جميعًا كانوا وما زالوا سُنّة، والأجدر والواجب أن يدافع أهل السّنة خاصة عن غزة العزة وعن الأقصى وفلسطين، ولكن هذا المبرر قد اختلق للهروب من مسؤولية حماية أهل غزة والدفاع عنهم إما خوفًا أو طمعًا أو عمالة أو كُلًّا معًا.

لقد نجحت إسرائيل في إنتاج وإخراج مسلسل الخريف العربي بطولة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وبتواطؤ وعمالة من بعض الحكام العرب المتصهينين حتى أن جيوشهم قاتلت جنبًا إلى جنب مع الجيوش الغربية ضد دول عربية بعينها شقيقة لهم ناصبت العداء لإسرائيل وأمريكا والغرب، إنه لشيء غريب ويحز في النفس أن ترى العربي يحلل ويبيح قتل وتدمير بلدان عربية مسلمة شقيقة تحت فتاوى أصلًا مشكوك فيها ومسميات ومبررات مختلفة سخرت لخدمة العدو الصهيوني، بينما تحرم نفس تلك الدول على أهل غزة العزة فزعة إخوتهم في التوحيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أستغرب هذا المنطق المشبوه من هؤلاء الأشقاء، فأيهما أقرب إلينا في العقيدة الشيعة الموحدون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أم اليهود قتلة الأنبياء والمرسلين أحفاد القردة والخنازير الذين لعنهم الله في كتابه الكريم، أي عاقل لا يلوم أهل غزة العزة على هذا التوجه لأنه لا بديل لهم خاصة بعد أن تخلت عنهم هذه الشرذمة الفاسدة من أصحاب المال المتصهينين من بعض الحكام العرب، فهل هو حلال على هذه الطغمة الفاسدة محاربة أشقائهم العرب، وحرام على أهل غزة العزة التحالف مع إخوانهم في التوحيد من إيران الذين يقدمون لهم السلاح والمال لنصرة قضيتهم العربية الإسلامية العادلة، التي أدار لها أشقاؤهم في العروبة والدم والتوحيد ظهورهم؟ فأهل غزة العزة يواجهون معركة وجود، ومن حقهم أن يتحالفوا ولو مع الشيطان في سبيل مصلحتهم ونصرة قضيتهم العادلة، قضية العرب والمسلمين والإنسانية التي كاد يتخلى الكل عنها. 

خلاصة القول إن ما يقوم به العدو التاريخي الصهيوني الإسرائيلي لأهل غزة العزة ولأكثر من عشرة شهور متتالية من دمار وقتل وتشريد وتجويع لأهلها صغيرًا وكبيرًا ذكرًا أو أنثى!! بينما جل ما يفعله الأشقاء حكامًا وشعوبًا هو مشاهدة ما يحدث على الشاشات المرئية الملونة صوتًا وصورة وكأنهم يشاهدون مسلسلًا يوميًّا دراميًّا مرئيًّا يحدث في بلاد (الواق واق) البعيدة، ولا تعنيهم بشيء مناصرة ومساعدة أشقائهم في الدم والدين، إنه لعار وما بعده عار وستظل أرواح شهداء غزة تطارد المتخاذلين إلى يوم الدين، أبشروا أهل غزة العزة بالنصر، وعند الله تجتمع الخصوم.

زر الذهاب إلى الأعلى