ملفات وتقارير

ديمقراطية مجلس الدولة تعصف بأوهام إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية

الرشوة والمال الفاسد في انتخابات مجلس الدولة يفضحان الديمقراطية الصورية

تقرير – سيد العبيدي
طرحت انتخابات المجلس الأعلى للدولة التي أجريت يوم السادس من أغسطس الحالي تساؤلًا كبيرًا حول كيفية إجراء انتخابات ديمقراطية عامة في ليبيا في الوقت الذي فشل أقل من 140 عضوًا ينتمون فكريًّا وحزبيًّا وتنظيميًّا إلى فصيل سياسي واحد في التوافق على نتيجة الاقتراع التي أعلنت أمام الرأي العام بفوز خالد المشري وخسارة محمد تكالة.
وكانت نتائج الانتخابات قد أظهرت الوجه الحقيقي لديمقراطية 17 فبراير المزعومة، حيث شابت عملية التصويت وقائع كثيرة عرضت على الهواء مباشرة، منها الرشوة وتوظيف المال الفاسد في العملية الانتخابية، إلى جانب حالة الانقسام التي سادت داخل المجلس وأدت إلى رفض نتائج الانتخابات وتعميق الأزمة ونقلها إلى ساحات القضاء، كما أظهر الانقسام الواضح في مجلس الدولة محاولات القفز على صلاحيات واختصاصات مجلس النواب التشريعية وتعطيل العملية الانتخابية وجهود الاستقرار السياسي من أجل خدمة شخص عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة منتهية الولاية.

كواليس الانتخابات
وعقد المجلس الأعلى للدولة الثلاثاء الماضي جلسة انتخاب مكتب رئاسة المجلس من ثلاثة مترشحين، هم رئيس المجلس الحالي محمد تكالة، ورئيس المجلس السابق خالد المشري، ورئيس اللجنة القانونية بالمجلس عادل كرموس.
ووسط اشتداد المنافسة لم يحسم المجلس اختيار رئيسه من الجولة الأولى، وتوزّعت الأصوات بين تكالة الذي حصل على 67 صوتًا، والمشري حصل على 54 صوتًا، وكرموس على 17 صوتًا، من أصل 139 عضوا شاركوا في الجلسة، ما جعل المنافسة تنحصر في الجولة الثانية بين تكالة والمشري.
الورقة الملغاة
وفي الجولة الثانية حصل المشري على 69 صوتا، مقابل حصول تكالة على 68 صوتا، إلا أن خلافا ثار بين الأعضاء حول صحة ورقة أحد المصوتين بسبب احتوائها على مخالفة لشروط التصويت الأمر الذي أدى إلى انقسام أعضاء المجلس خلال الجلسة، بين مطالبين بإبطال الورقة لأن المصوت كتب اسم المرشح على ظهر الورقة وليس على وجهها المخصص لكتابة اسم المرشح، واعتبروا ذلك مخالفا للائحة المجلس الداخلية بشأن شروط التصويت، فيما طالب البعض الآخر، ومن بينهم تكالة، بإعادة التصويت.
واستند المطالبون بإبطال ورقة التصويت التي كُتب فيها اسم المرشح على ظهر الورقة إلى الفقرة الثانية من المادة 97 من لائحة المجلس، التي تنص على إلغاء أي ورقة للتصويت تتضمن “علامة تعريف أو تمييز من أي نوع كانت”، معتبرين أن المصوت أراد بالكتابة خلف الورقة إشارة إليه وتعريفا به، وفي غضون الجدل أنهى تكالة البث المباشر لنقل جلسة التصويت والذهاب إلى عقد جلسة تشاور مغلقة لحسم الخلاف، قبل أن يعود إلى الإعلان عن وقف الجلسة وإحالة الخلاف حول نتيجة التصويت إلى القضاء للبت فيه.
رأي اللجنة القانونية
من جهتها قالت اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة إن ورقة الاقتراع المختلف عليها في انتخابات رئاسة مجلس الدولة هي ورقة (ملغاة) لا يعتد بها في احتساب عدد أصوات الناخبين البالغة 139 صوتا. وعليه يكون توزيع الأصوات على النحو التالي، عدد ورقتين (2) غير محتسبتين في العد، وهما ورقة بيضاء، وورقة ملغاة.
وأضافت اللجنة القانونية في بيان لها أن المترشح محمد مفتاح تكالة تحصل على (68) صوتا من أصوات الناخبين، المترشح خالد عمار المشري تحصل على (69) صوتا من أصوات الناخبين.
انقسام داخل مجلس الدولة
وإلى ذلك يزداد المشهد السياسي في ليبيا تعقيدا مع بروز خلاف جديد داخل المجلس الأعلى للدولة ما ينذر بانقسامه إلى واجهتين: الأولى برئاسة خالد المشري والثانية بقيادة محمد تكالة، ويبدو أن المستفيد الأبرز من الوضع الراهن هو رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي حاول فرض المال الفاسد في انتخابات مجلس الدولة تماما كما حدث في ملتقى الحوار السياسي الذي جاء به رئيسا للحكومة في 2020.
واحتدم الصراع حول منصب الرئيس المنتخب لمجلس الدولة، حيث رفض خالد المشري ما أعلنه محمد تكالة عن تحديد يوم العشرين من أغسطس الجاري موعدا لإعادة جولة انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، واصفا ما جرى عقب جلسة التصويت بـ”البلطجة السياسية”، وهو ما يهدد بانقسام المجلس.
وتقول أوساط ليبية مطلعة إن حالة الانقسام داخل مجلس الدولة باتت تعكس حجم التشظيات السياسية والاجتماعية في البلاد، وهي تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العملية السياسية في ليبيا.


الصراع بين الدبيبة والمشري
وبحسب الأوساط ذاتها، فإن الأمر يتعلق بلعبة سياسية في سياق التوازنات التي يفرضها الواقع الليبي والتجاذبات بين الفرقاء الأساسيين، لاسيما أن وصول المشري إلى سدة رئاسة المجلس يمثّل ضربة قاصمة لرئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة وفريقه الداعم بقوة لتكالة، خاصة أن المشري بات على توافق مع مجلس النواب من أجل ضرورة تغيير الحكومة منتهية الولاية وتشكيل حكومة موحدة تشرف على الانتخابات العامة في البلاد.
وشهدت انتخابات العام الماضي خسارة خالد المشري بعد قيام عبدالحميد الدبيبة بتقديم رشاوي للأعضاء من أجل التصويت للرئيس الحالي محمد تكالة على واقع الخلاف المحتدم والمعلن بين المشري والدبيبة بسبب التقارب مع مجلس النواب.
خلاف حول نتائج الانتخابات
وفي تعليقه على نتائج الانتخابات أكد خالد المشري أنه الرئيس الفعلي والشرعي لمجلس الدولة وفق نتيجة الاقتراع في الجولة الثانية التي أظهرت فوزه برئاسة المجلس، وقال إنه سيمارس عمله على هذا الأساس، وأنه متمسك بحقه برئاسته للمجلس، وأنه سيتواصل بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للدولة بكافة الجهات المحلية والأجنبية.
وأشار إلى إحالة تكالة الخلاف على ورقة التصويت إلى القضاء رغم معرفته المسبقة بعدم اختصاص القضاء بهذا النزاع، موضحا أن اللائحة الداخلية للمجلس تنص على اختصاص اللجنة القانونية للمجلس بحل هذا النزاع.
وأكد أن هذه الإحالة ما هي إلا محاولة لكسب الوقت ليس إلا، مؤكدًا أن الرأي العام شاهد بثا مباشرا لعملية التصويت، التي فاز فيها بعدد أصوات 69 صوتا مقابل 68 صوتا لمحمد تكالة وبحضور مراقبين ممثلين عن المرشحين أمام صناديق الاقتراع.
وقال المشري إن تكالة ليس رئيسا للمجلس حتى يدعو إلى عقد جلسة أو غير ذلك، لافتا إلى أن النظام الداخلي للمجلس ينص على أن مدة ولاية مكتب رئاسة المجلس هي فقط سنة واحدة من تاريخ انتخاب مكتب الرئاسة، وبالتالي فقد انتهت مدة ولاية تكالة بالانتخاب وبالمدة القانونية.
واعتبر المشري الكتابة على ورقة التصويت المعتمدة من الخلف، علامة تمييز واضحة، وهذا مخالف للائحة الداخلية، مشيرا إلى أن مراقب تكالة وافق أثناء الفرز على رفض الورقة، إلا أنه تراجع لاحقا بعد معرفة أن فارق الأصوات هو صوت واحد.وقال المشري إن المحكمة العليا غير معنية بالفصل في انتخابات هيئة رئاسة المجلس، وعلينا الفصل في الأمر داخل المجلس، لافتا إلى أن تكالة رفض إحالة الموضوع إلى اللجنة القانونية بالمجلس بحجة أن رئيسها كان أحد المرشحين للرئاسة، في إشارة إلى عادل كرموس.
إعادة الانتخابات 20 أغسطس
من جهته حدد محمد تكالة 20 أغسطس الجاري موعدا لإعادة جولة انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة إذا لم يفصل فيها القضاء، مضيفا أن اختياره لهذا الموعد يأتي بهدف عدم ترك الزمن مفتوحا يستغله من يحاول فرض حالة الانقسام على المجلس، معتبرا أن ذلك حل وسط يحافظ على المكتسبات وينأى عن الانقسام، وذلك بعد التشاور مع أعضاء المجلس.
وأوضح تكالة أن إعادة عملية الاقتراع فرصة حقيقية للجميع لإثبات جدارتهم في ثقة أعضاء المجلس، وقال إن من يعتقد في نفسه أنه الأجدر عليه ألا يخشى من جولة إعادة أخرى، في إشارة إلى المشري، الذي أعلن في مؤتمر صحفي صحة عملية انتخابه، وأنه يعتبر نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة.
مجلس الدولة النشأة والأسباب
فرض مجلس الدولة الحالي على الليبيين ككيان سياسي “شكلي” وليس جسما تشريعيا، بناءً على اتفاق وقع في مدينة الصخيرات المغربية بين القوى السياسية الليبية سنة 2015 برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتكون أعضاء هذا المجلس من بقايا المؤتمر الوطني العام القديم والجديد، بعد الخسارة الفادحة التي مني بها تيار الإسلام السياسي في الانتخابات التشريعية 2014.
وضمن الأسباب الأخرى التي أدت إلى قيام مجلس الدولة؛ الضغط الأمريكي من أجل ضمان استمرار تيار الإسلام السياسي في المشهد السياسي الليبي بعد خسارتهم انتخابات مجلس النواب في 2014 وتحول أغلب أعضاء المؤتمر الوطني إلى مجلس النواب الذي أصبح الجسم الشرعي الوحيد المنتخب والممثل عن ليبيا دوليًا ورفض 12 عضوا ينتمون إلى الإسلام السياسي حضور جلسات مجلس النواب في مدينة طبرق بدلًا من طرابلس نتيجة الوضع الأمني المتأزم آنذاك، ونتيجة لذلك جاءت فكرة إنشاء مجلس الدولة كترضية سياسية.
بدأت جلسات مجلس الدولة للمرة الأولى في 17 ديسمبر 2015، وذلك بعد تصعيد مرشحي الإسلام السياسي الخاسرين في الانتخابات التشريعية 2014 بدلًا من أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين فازوا في الانتخابات النيابية وانضموا إلى مجلس النواب حتى بات نحو 80 % من الأعضاء الحاليين لمجلس الدولة غير منتخبين ومنهم اللجان ورؤساء اللجان ولجان الأمن القومي، مما يؤكد فقدان هذا المجلس الشرعية القانونية والممارسة الديمقراطية التي يتغنى بها سنويًّا في انتخابات الرئيس والنواب.
اتفاق جنيف ونهاية الصخيرات
بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2510 (2020) الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتيسير الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي من 7 إلى 15 نوفمبر 2020 في العاصمة التونسية، وجمع الملتقى 75 مشاركًا ليبيًّا من النساء والرجال الذين يمثلون ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الليبي، وتوجت هذه الجهود بتشكيل مجلس رئاسي وسلطة تنفيذية تقود البلاد حتى 24 ديسمبر 2021 وهو الموعد الذي حدد مسبقا لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في ليبيا وإنهاء حالة الانقسام وعودة البلاد إلى الاستقرار الأمني والسياسي، ووفقا لذلك يكون اتفاق الصخيرات وما بني عليه من قرارات واتفاقيات قد انتهي رسميا باتفاق جنيف ومن ثم انتهاء صفة مجلس الدولة الاستشاري، ولم يعد الآن جسما سياسيا يتمتع بصلاحيات قانونية.

زر الذهاب إلى الأعلى