ملفات وتقارير

الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. وتوقعات بحرب عالمية ثالثة بسبب ارتدادات العدوان الصهيوني على غزة

الكيان الصهيوني يشعل النار في المنطقة.. وأمريكا تدَّعي محاولة إطفائها بمبادرات وهمية لحل الأزمة!

الشرق الأوسط يلتهب.. عبارة تصلح عنوانًا وتوصيفًا دقيقًا لما يحدث في المنطقة بعد التوترات الأخيرة بين الكيان الصهيوني المجرم من جهة وحزب الله وإيران وجماعة أنصار الله اليمنية من جهة أخرى إثر العدوان الصهيوني على قطاع غزة والتوقعات بالرد الإيراني على الاعتداء الصهيوني بات المستقبل متسعًا لكل الاحتمالات بما فيها نشوب حرب عالمية ثالثة.
وما يشير إلى ذلك القلق الاستعداد في الكيان الصهيوني وتهديد وتأكيد إيراني بأن الرد سيكون قاسيًا ومؤلمًا، وبين هذا وذاك يكثف حزب الله هجماته على شمال الكيان المجرم، ويؤكد أيضًا أن الرد آت لا محالة.
وعلى الجانب الآخر تستمر جماعة أنصار الله اليمنية في وعيدها بالرد على الهجوم الصهيوني على ميناء الحديدة، أما الولايات المتحدة فأعادت نشر وجودها في الشرق الأوسط، حاليًا.
كل هذه المشاهد من التوتر تنذر بحرب باتت وشيكة، ففي إيران توعد مسؤولوها الكيان الصهيوني برد قاس حتمي على انتهاك السيادة الإيرانية واغتيال ضيف لها في سابقة تاريخية في العلاقات الدولية.
ورغم أن الخارجية الإيرانية أكدت أن طهران لا تسعى لتصعيد التوتر في المنطقة، لكن معاقبة الكيان الصهيوني على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران أمر ضروري.
من جانبه، كثف حزب الله اللبناني من هجماته ضد المقرات الصهيونية العسكرية مواصلًا بذلك محاولة إسناد ودعم غزة، فيما يترقب الكيان الصهيوني أيضًا ردًّا أوسع نطاقًا على اغتيال القيادي البارز في الحزب فؤاد شكر قبل أيام في ضاحية بيروت الجنوبية.
وفي أقصى الجنوب استأنفت جماعة أنصار الله اليمنية شن هجمات على السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو المتجهة إلى موانئها في البحر الأحمر وبحر العرب، وأكدت مرارًا أن الرد على العدوان الصهيوني الذي استهدف ميناء ومحافظة الحديدة آت ولا بد منه.
وأمام كل هذه الجبهات بدأ الكيان الصهيوني حالة استنفار شامل، وأوقف جيش الاحتلال الإجازات في كل الوحدات المقاتلة في البر والبحر والجو وتشكيلات التدريب، كما قرر توسيع دائرة تقليص عمل المصانع في شمال إسرائيل إلى كيلومتر من الحدود مع لبنان.
ووسط توقعات بهجوم غير مسبوق من جبهات عدة أعلن ما يسمى “رئيس الوزراء الصهيوني” بنيامين نتنياهو أن تل أبيب مستعدة لكل السيناريوهات دفاعًا وهجومًا، وشدد على أن يد إسرائيل ستصل إلى غزة وبيروت واليمن وإلى كل مكان يكون هناك مطلوبًا فيه!
ومنذ اندلاع الحرب الصهيونية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تصاعدت الهجمات المتبادلة بين حزب الله والكيان المحتل، على الحدود شمال وجنوب لبنان، وقصف الكيان الصهيوني بشكل متكرر مواقع بعيدة في الشمال في بعلبك والهرمل في وادي البقاع، وقرب صيدا على الساحل.
وأطلق حزب الله هجماته على منطقة في الكيان تمتد لنحو 10 كم جنوب الحدود، كما أطلق صواريخ في مناطق أبعد جنوبًا مثل نهاريا ومرتفعات الجولان.
ووصلت هجمات حزب الله بالمسيرات إلى طبريا على بعد 35 كم من الحدود، بما نتج عنها تدمير نحو 6 آلاف مسكن في لبنان، وأكثر من ألف مسكن في عمق الكيان المجرم، واستخدم الحزب أسلحة حديثة مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدروع، والمسيّرات الهجومية، وصواريخ الدفاع الجوي.
ومؤخرًا ارتفعت وتيرة التوترات بين الطرفين، والتصريحات الإعلامية بتوسع نطاق الحرب على الجبهة اللبنانية ارتباطًا باستمرار الحرب في غزة، وعدم التهدئة من الجانب الصهيوني.

حسب قناة “سي ان ان” أمريكا تمول الكيان الصهيوني بالسلاح والذخائر بقيمة 3.5 مليار دولار وتحشد ترسانتها العسكرية في البحر الأحمر والمتوسط والخليج وتنقل “قاذفات استراتيجية إلى قواعدها في المنطقة


دعم أمريكا للكيان الصهيوني يشعل الأزمة
ويحرص ما يسمى رئيس الوزراء الإرهابي نتنياهو على البقاء في السلطة، وعدم سقوط حكومته، كذلك تمثل تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حال إشعال الحرب على الجبهة اللبنانية، والتحركات الأمريكية بزيادة الدعم العسكري والموافقة على صفقة أسلحة تتجاوز 18 مليار دولار للكيان الإرهابي، عوامل محفزة في هذا السياق وحسب سي ان ان فأن أمريكا ستزود الكيان الصهيوني بأسلحة وذخائر بقيمة 3.5 مليار.
وربما ما يحفز الطرف الصهيوني على التصعيد في الجبهة اللبنانية الاعتبارات السياسية للائتلاف الصهيوني الحاكم والبقاء في السلطة، وأهداف نتنياهو بالإصرار على إشعال جبهة لبنان في الوقت الراهن، في ظل عدم تحقق هدفه من استمرار الحرب في غزة، بالقضاء على قادة حماس والإفراج عن جميع الرهائن، بالإضافة إلى إدراك نتنياهو لخطورة إنهاء الحرب في غزة في ضوء محاسبته داخليًّا على الإخفاق الاستخباراتي والسياسي وخارجيًّا على الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين.
ويُعد سيناريو الحرب الشاملة الأكثر خطورة، خاصة أن قدرات حزب الله الحالية تختلف عن قدراته في حرب لبنان 2006، كذلك يختلف حزب الله عن حماس في القدرات التسليحية والتنظيمية، ولديه قدرة على تدمير البنية التحتية للكيان الصهيوني ومصافي النفط، والقواعد الجوية، ومفاعل ديمونا الخاص بالأبحاث النووية.

اتساع نطاق الحرب يهدد المصالح الغربية في المنطقة حيث الأهداف الاقتصادية التجارية وحركة تدفق النفط والتأثير في سلاسل الإمداد

استغلال الجغرافيا بجنوب لبنان
من ناحية أخرى، تمثل جغرافية جنوب لبنان عنصرًا مهمًّا لحزب الله يمكن استغلالها في حربه مع الكيان الصهيوني، وتتكون المنطقة عبر الحدود الصهيونية المباشرة من التلال الصخرية، وقد سبق واستخدم مقاتلو حزب الله في حرب 2006 الكهوف والأشجار والمباني على طول سفوح التلال، لإخفاء تحركاتهم وإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على المواقع الصهيونية على الحدود.
وكانت البنية التحتية عاملًا مساعدًا للحزب لإخفاء مراكز القيادة بدلًا من التحصينات العسكرية. ويستخدم حزب الله الأنفاق والمخابئ لمهاجمة القوات الصهيونية. كما أن الخبرة القتالية التي يمتلكها في سوريا تمنحه القدرة على القتال البري.
ومن ثم يُعد الحزب أكبر حجمًا، وأفضل تسليحًا، وأكثر خبرة. بالإضافة إلى أن للحزب قدرة على استهداف منصات استخراج الغاز من الحقول البحرية الصهيونية. فقد سبق وحذر نصر الله في العام الماضي بأنها ضمن بنك أهداف المقاومة.
وذلك مع احتمالية أن يكون مطار رفيق الحريري الدولي أحد أهداف الكيان المجرم إذا اندلعت الحرب كما حدث في حرب 2006، من ناحية ثانية قد يكون مطار بن جوريون الدولي في تل أبيب أحد أهداف حزب الله في حال تصاعد الحرب.
تداعيات الخطر
ويُنذر اشتعال الحرب في المنطقة بكارثة إنسانية واقتصادية إقليميًّا ودوليًّا، خاصة أن استمرار الهجمات منذ السابع من أكتوبر 2023، قادت إلى عدم الاستقرار الأمني، وتهديد الأمن المجتمعي في الداخل اللبناني والصهيوني، ونزوح أكثر من 150 ألف مدني على جانبي الحدود الصهيونية – اللبنانية بنحو 80 ألفًا من شمال الكيان و75 ألفًا من جنوب لبنان.
وهو الأمر الذي يخلق مزيدًا من الضغوط على الحكومات لتغيير الأوضاع الأمنية حتى يتمكن المدنيون من العودة إلى منازلهم. في هذا السياق يتم توضيح التداعيات الخطرة التي يرتبها سيناريو الحرب الشاملة على النحو الآتي:
التداعيات الإنسانية
وترتب على المواجهة الشاملة بين حزب الله ولبنان خطر تزايد أعداد اللاجئين اللبنانيين إلى الدول المجاورة، فضلًا عن استضافة لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، بما يقود إلى هجرتهم إلى دول أخرى، أو ترحيلهم، وهو الأمر الذي يفاقم من مشاكل الهجرة على المستوى الإقليمي والدولي، نتيجة موجة نزوح جديدة، يضاف إلى ذلك التكلفة المرتفعة لإعادة الإعمار بعد اندلاع الحرب في لبنان في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة بالفعل.
كما أن اندلاع حرب شاملة يزيد من الضغوط على المنظمات الدولية لمواجهة التداعيات الإنسانية، والتي تواجه تحديات في تقديم المساعدات للاجئين والنازحين في دول أخرى.
من ناحية أخرى تؤدي موجات النزوح واللجوء في حال اندلاع الحرب إلى زيادة حجم الضغوط على الدول الأوروبية نظرًا إلى القرب الجغرافي بما يتطلب زيادة حجم الطاقة الاستيعابية، ورفع عمليات الإنقاذ البحري إلى أوروبا، ولا سيما قبرص واليونان لكونهما وجهة للنازحين جرّاء الحرب للهروب عن طريق البحر أو البر إلى سوريا.

دعم الولايات المتحدة اللامحدود للكيان الصهيوني يساهم في إشعال الحرب بالجبهة اللبنانية


التداعيات الاقتصادية
ومن شأن حرب أوسع نطاقًا بين الكيان ولبنان وجماعة أنصار الله اليمنية تعرض لبنان للتدمير كونه يعاني أزمة اقتصادية حادة، وأوضحت التهديدات والتصريحات الصهيونية تعرض لبنان لضربة شديدة إذ اتسعت المواجهة بين حزب الله والكيان المحتل.
وهو الأمر الذي يرتب تدمير البنية التحتية اللبنانية وارتفاع تكاليف إعادة الإعمار في حال توسع الحرب. فعلى مدار الأشهر الماضية وفي ضوء المواجهات المستمرة بين حزب الله والكيان المحتل، لحقت أضرار جسيمة بممتلكات المدنيين، وأغلقت المدارس في لبنان، ودمرت المساحات الزراعية والغابات. وبحسب تصريحات رئيس الوزراء اللبناني “ميقاتي” في 4 أبريل الماضي، أعلن عن نيته بإعلان جنوب لبنان منطقة طوارئ زراعية، حيث خسر 75 % من المزارعين اللبنانيين دخلهم.

إيران تتوعد بالرد على استهداف هنية والكيان الصهيوني يزيد استفزازاته


التداعيات الإقليمية والدولية
وتنذر توسعة الحرب إقليميًّا، بتدخل تشكيلات محور المقاومة في الجبهات الأخرى لدعم حزب الله، وقد نجحت إيران عقب الحرب في سوريا منذ عام 2011 في إنشاء جسر بري وجوي ينقل الأسلحة من العراق إلى سوريا ثم إلى حزب الله في لبنان، ولن ترغب طهران في إضعاف حزب الله في حربه مع الكيان المحتل بما يُقوض النفوذ الجيوسياسي الإقليمي لطهران.
على الجانب الآخر تقع إيران على مضيق هرمز الذي يعد نقطة الدخول إلى الخليج العربي، وفي حال توسع الحرب إقليميًا فإنه من المحتمل إغلاق إيران المضيق بما يعني رفع أسعار النفط عالميًّا.
كذلك يضر اتساع نطاق الحرب بالمصالح الغربية في المنطقة حيث الأهداف الاقتصادية التجارية وحركة تدفق النفط والتأثير في سلاسل الإمداد، وأسعار الطاقة، وقطاعات الاستثمار والتجارة.
كذلك يُنذر إشعال الحرب في المنطقة بالتصعيد في شرق المتوسط، واستهداف خطوط نقل النفط والغاز، بما يشبه ما فعله جماعة أنصار الله في البحر الأحمر باستهداف حركة مرور السفن والتجارة في البحر الأحمر، بما فرض تأثيرات على حركة التجارة الدولية.
من ناحية أخرى تُنذر الحرب الشاملة بدخول قوى دولية في ظل الدعم المعلن بإرسال حاملة الطائرات “أيزنهاور” إلى البحر الأبيض المتوسط، ومغادرة البحر الأحمر، بالإضافة إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في الأردن من 2936 جنديًا إلى 3813 جنديًا بهدف تعزيز الجبهة الشرقية للكيان الصهيوني، كذلك حالة الاستنفار في الوحدات الامريكية وتنقل قاذفات استراتيجية من أمريكا للمنطقة.
أيضًا تفاقم الحرب في المنطقة يزيد من وتيرة الهجمات من جانب وكلاء إيران على الكيان المحتل والولايات المتحدة، وليس من المستعبد تدخل الميليشيات في العراق وسوريا واليمن لدعم حزب الله في حربه مع الكيان، إذ قالت ميليشيا عصائب أهل الحق، بأن دعم الولايات المتحدة لهجوم صهيوني على لبنان، يضع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة في العراق كهدف من أهدافها، خاصة في ظل وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا، بما قد يرتب تعرض القوات الأمريكية لضربات وربما انخراطها في دائرة الصراع الإقليمي.
ورغم الحرب الإعلامية المتصاعدة بما يُفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، تظل الأوضاع مرهونةً بمدى الرشادة الدولية والضغوط والجهود المبذولة والداعمة لتجنب إشعال المنطقة في ظل ارتفاع تكلفة الحرب بها، وتداعياتها الخطرة على المستوى الإقليمي والدولي، بما يقود إلى مضاعفة هذه الجهود للتهدئة وخلق مساحات للتوافق بين الأطراف المختلفة

زر الذهاب إلى الأعلى