مقالات الرأي

المثقفون.. الدور المأمول أم الغياب المتحقق؟

محمد عبد القادر

المثقف المنتمي الملتزم بقضايا مجتمعه يكون دوره في مقدمة الصفوف يحمل المشاعل ويغذي الفكر وينير العقول ويقدم خلاصة إبداعه ونتاجه لخدمة القطاع الواسع من المجتمع، يحلل بعمق الظواهر التي يعاني منها المجتمع ويفكك العلاقات التي يجب تفكيكها لإدارة عملية التغيير الواسع التي تستهدف الفكر والسلوك.

بداية هناك نوعان من المثقفين، نوع يرى أن دوره يكتمل وينتعش ويتفاعل بين الناس يعيش همومهم وتفاعلاتهم في الحياة يرى نفسه في مقدمته أو طليعته يرى ما يرون ويعاني ما يعانون ويلمس بيديه وكل حواسه ما يلمسونه ومختلف عنهم فقط في مستوى إدراكه ووعيه وقدرته على اكتشاف العلائق التي تربط الأشياء بعضها ببعض وقدرته على التحليل والاستنباط وامتلاك الأدوات التي تمكنه من ذلك ولكل ذلك قدرته على القيادة وحمل المشاعل والإنارة والتنوير للناس الذين يرتبط معهم بروابط وثيقة تجعله ملتزما التزاما تاما بقضاياهم التي هي قضاياه ويشعر بمعاناتهم التي تشمله.

هذا ما يسميه النقاد والدارسون بالدور الطليعي للمثقفين أو الريادي أو القيادي ويعبرون عنه بالمثقف الطليعي أو الملتزم.وهناك مثقفون ينفصلون عن الناس أو مجتمعهم ويعيشون في أبراج خاصة بهم وينتمون لعلية القوم في مفهومهم الحكام والأغنياء والنافذين في المجتمع يضعون لهم روابط خاصة ونظرة تتواءم مع الطبقات العليا بمن فيها الحكام لأنهم يرون أنفسهم خداما لهم ينتجون فكرًا يخدم هذه الطبقات ويدافعون عنها ويبررون أفعالها ومواقفها ومصالحها التي تكون في الغالب ضد بقية الشعب، فيرتبطون مصلحيا بهذه الطبقة ارتباطا وظيفيا، بمعنى أنهم يؤدون دورًا وظيفيًا وينتفعون مقابله بحياة الدعة والترف ومستوى من قضاء الحاجات.

وحتى نستطيع أن نحدد دور المثقف علينا أن نُعرِّفه لنحدد ماهيته وهويته وبالتالي نتمكن من تحديد دوره في المجتمع.

تحديد مفهوم المثقف اختلف من مفكر لآخر باختلاف الأدوار والمكونات والبيئات وظروفها التاريخية والمجتمعية ومستوى الوعي، لكنها تجمع على أن للمثقف دورا مهما جدا في المجتمع ببعديه المجتمعي أو الطبقي حسب انتماء المثقف وأيديولوجيته واختلاف منابع الفكر والتجربة التي نهل منها ونظام تربيته على الالتزام أم على الانتهازية ونوازعه الذاتية التي توجهه لخدمة مجتمعه أم خدمة مستوى من مستوياته ولتكن هي الفئات المهيمنة على المجتمع.

فالمثقف المنتمي الملتزم بقضايا مجتمعه يكون دوره في مقدمة الصوف يحمل المشاعل ويغذي الفكر وينير العقول ويقدم خلاصة إبداعه ونتاجه لخدمة القطاع الواسع من المجتمع، يحلل بعمق الظواهر التي يعاني منها المجتمع ويفكك العلاقات التي يجب تفكيكها لإدارة عملية التغيير الواسع التي تستهدف الفكر والسلوك، فهل تمكن المثقف الليبي من الخروج من عنق الزجاجة ومن التصنيفات الخادعة التي يراد لها إنتاج صراع مجتمعي لكنه على شكل صراع مدمر لإشغال المجتمع الليبي عن إدارة شؤونه بمستوى عالٍ من التشخيص والتحليل والتحديد وتجاوز النمطية التي وضع فيها من قبل أعدائه الخارجيين لتصفيف فئات المجتمع الليبي إلى فئات متصارعة متباغضة متقاتلة في نهاية المطاف لتشتيت القدرات والفاعليات وتدمير البنية المجتمعية وتحويلها إلى كتل متصارعة فاقدة للتفكير والتمييز بين المهم والعدمي وتفتيت كل العلاقات التي كانت تربطهم بعداوات مفترضة ومصنوعة وموجهة تدار بإعلام ارتزاقي يحض على التمييز والكراهية والتصنيفات الجهوية التي تذكي روح العداء وتمنع الاصطفاف من أجل قضايا المجتمع وعلاج المشكلات التي يواجها الوطن والمخاطر التي تتهدد كيانه ووجوده وأمنه حتى يتمكن العدو الخارجي من تفكيك الوطن وتمزيقه وتفكيكه وإعادة إنتاجه في كيانات سياسية معينة كما حدث في كثير من دول المنطقة وفق مشروع المستشرق الصهيوني برنارد لويس.

لكل ما تقدم ذكره يجب على المثقفين الليبيين أن يتسامى فكرهم عن الصغائر والمصالح والانتماء الأيديولوجي والمناطقي والصراع المصلحي والصراع على السلطة لأن الوطن في خطر والمواطن في خطر علينا أن نرتفع بهاماتنا وبقلوبنا وعقولنا لنتمكن من ترميم زوايا الوطن والنهوض من كبواته، ونحن قادرون.

زر الذهاب إلى الأعلى