الرؤية الاستراتيجية وحرب المقدسات
محمد جبريل العرفي
نسف مخططات المتآمرين، وأيقظ الشعوب للغبن الواقع على الفلسطينيين، وولَّد حلفًا إسلاميًّا بقيادة إيران هدد وجود العدو وكسر هيبته وهيبة داعميه
غياب الوعي هو النظرة التبسيطية التسطيحية بالتركيز على الحدث الآني، دون جعله منصة لقراءة المستقبل، وتجاهل مثلث التفكير الاستراتيجي المتمثل في (الجغرافيا والتاريخ والواقع).
الحرب الآن بين الحلف الإسلامي بقيادة إيران لحماية المقدسات، والحلف الأطلسي بقيادة أمريكا لاحتلال المقدسات، بتحديث خرائط (سايكس بيكو)، مخطط للعقل المدبر للاستراتيجية الإمبريالية (برنارد لويس)، واعتمده الكونجرس الأمريكي في جلسة سرية عام 1983.
باستعراض الأحداث نهاية حرب 73 إلى الآن نجدها تنفيذا عمليًا لخطة (برنارد لويس) ابتداء من لبنان 1975 إلى السودان 83 والصومال 1991 والجزائر 1991 وادعاء لوكيربي 1991 والعراق 2003 وتجنيد الزنادقة 2011 لتدمير تونس ومصر وسوريا وليبيا. لكن الجزائر أنقذها مجاهدو جبهة التحرير، ومصر أنقذها جيشها، وتونس أنقذها شعبها، بينما السودان وسوريا وليبيا ما زالت تعاني.
هدف العدو طمس قضية فلسطين، كمحفز للشعوب العربية والإسلامية للتضحية، فكان مؤتمر مدريد 1991.10.30 – اتهمت ليبيا بقضية لوكربي بعده بأقل من أسبوعين 1991.11.14 وذلك للجم الصوت الذي قد يعارض المخطط –
ثم كانت ضحكة أوسلو التي أفرزت سلطة تحمي المستوطنين وتلاحق المقاومين، وتغرق بالفساد.
(طوفان الأقصى) نسف مخططات المتآمرين، وأيقظ الشعوب على حقيقة غبن الفلسطينيين، وأنشأ حلفا إسلاميا من شيعة وسنة، فهدد وجود الكيان، وكسر هيبة العدو وهيبة داعميه، فالمستوطنون بدأوا يهاجرون وخاصة للدول التي رؤسائها يهود وصهاينة كالأورجواي والأرجنتين والمكسيك وأوكرانيا.
جند العدو عملاءه العرب لشيطنة المقاومة، مرة بإعلام مأجور يروج أن طوفان الأقصى جلب لغزة المآسي، وتناسوا السجن الكبير منذ 2007. ومرة أخرى بدعاة الفتنة بين السنة والشيعة، هؤلاء كانوا 2011 أبواقًا لتدميرنا، واليوم بكم صم تجاه مذابح وتجويع الشعب الفلسطيني العربي المسلم، ومنهم من قال: “يا أبا عبيدة جاهد بالسنة”، وتناسوا أوامر الله ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.
ويتحججون بسب الصحابة، وتناسوا أن مشغليهم يسبون الله ورسوله، إذا كان الشيعة يمجدون آل البيت فنحن العرب أولى بآل البيت، الجهلة يرددون أقوال العدو الذي تغيظه وحدة المسلمين، ويستمعون إلى إذاعات الفتنة التي تبث من الغرب. الحقيقة أننا لا نختلف مع الشيعة إلا في مسألتين (من أحق بالخلافة؟) وهذا تاريخ ومضى، والثانية كلمة في خطبة الوداع بين (سنتي وعترتي) فلنعتبر الشيعة مذهبا إسلاميا آخر. العرب كانوا يتغنون بقوة الشاه (الشيعي) حارس المصالح الإمبريالية وانبهارهم باحتفالاته بسلالة قورش، وابنه يستقبل استقبال الفاتحين، وتزدحم مجلاتهم بصور زوجته فرح ديبا، وبعد الثورة التي قطعت العلاقة مع الصهاينة وسلمت سفارتهم لفلسطين تم تجنيد العرب لحربها، وبعد الحرب دمر العرب ما تبقى من العراق.
هناك من يحذر من (نوايا) إيران، وتناسى أن الغرب يحتل أرضنا (واقعيًا) وليس مجرد نوايا. لن نتجاوز عن احتلال الشاه للجزر العربية، وما اقترفته إيران الحالية بالعراق، لكنها الآن تقاتل عدونا وتدفع الثمن من دماء أبنائها وقوت أطفالها.
فالصراع ليس سنيًّا – شيعيًّا، بل هو بين أمتنا والغرب، فالذين تحالفوا مع الحلف الصليبي ودمروا بلادنا عام 2011 هم سنة وشيعة، والذين اغتالونا وصلبونا ولعبوا برؤوسنا الكرة هم سنة! والسنة يشنون الهجمات في آسيا وأفريقيا، بأوامر الغرب.
الإسلام منقسم إلى سني وشيعي، السنة ستنقسم إلى طوائف متناحرة، وبوادرها بدأت بالتكفير والتبديع والتفسيق بين الفِرق، بما فيها داخل السلفية نفسها.
ما أحوجنا إلى ثورة ثقافية لتجذير الوعي الاستراتيجي بالمتغيرات الدولية، وخلق قطب يؤسس لعلاقات ندية مع بقية الأقطاب، بعيدا عن الجهل والعمالة وتحريف الدين، دفاعًا عن العقيدة الإسلامية المهددة بالطائفية المتناحرة، وعن الأمة العربية المهددة بالتفتيت والتطبيع لإقامة إسرائيل الكبرى، وتهويد شمال أفريقيا.
نذكّر المنحازين إلى لإعداء في إبادتهم وتجويعهم لأشقائنا والمتقاعسين عن المعركة المقدسة، بأن الشعوب تختزن غضبها ثم تنفجر، لكن الأنظمة التي تعمل كشركات أمنية للعدو مثل نظام (مستر بيف) لم تستوعب الدرس بأن العالم قبل الطوفان سيختلف عما بعده.