مقالات الرأي

إلى الأمام في الشؤون الداخلية!

بقلم/ د. مصطفى الزائدي

يشدني للعنوان ما ورد في بيان لثوار تاجوراء، تعليقًا على القتل والتدمير وترويع الناس في اليومين الماضيين واعتبره شأنًا داخليًّا يعالجه العقلاء، وهذا كلام يعكس الواقع، وهو صحيح بالنظر إلى أن الحرب صارت تدور بين مكونات المدينة والقرية الواحدة وليست بين مدن ومناطق مختلفة، وهي لا تتعلق إطلاقًا بعدوان خارجي، فالأجنبي مرحب به ومبجل في بعض المناطق حيث يتربع على موقع القرار!

ورغم محاولات بعض الواهمين ودعواتهم إلى تقديم ما يحدث في تاجوراء على أنه استعداد لحرب قبلية وجهوية!

الحرب بين جماعة البقرة وجماعة صبرية، وقعت داخل مربوعة البيت التاجوري وتحت منبر المفتي المعزول الذي فر حسب الأخبار للاحتماء بمجموعات مصراته المسلحة!

لقد كشفت هذه المعركة حقيقة دعوات النفير والتحشيدات المفاجئة للبعض الذي توقعها موجهة ضد نشر القوات المسلحة تعزيزات عسكرية لتأمين الحدود في الجنوب الغربي، لكن تبين أنها مجرد تمويه ساذج القصد منه إتاحة الفرصة لميليشيات صبرية لمباغتة وقتل البقرة الذي يبدو أنه لم يعد يحتمل تصرفات المفتي!

وبغض النظر عما حصل في تاجوراء، فإن الحرب في ليبيا تحولت فعلًا إلى شأن محلي داخلي، يجري رحاها في المدن التي كانت تتبجح بأنها مدن الثورة، فلقد تحولت إلى وسائل دائمة الاستعمال لحسم صراع المجموعات المسلحة داخل المدن، فما يجري دائمًا من مناوشات ومعارك طاحنة أحيانًا في طرابلس بين المجموعات المسلحة والتي أدت إلى تهميش بعض أمراء الحرب أمثال التاجوري وقدور وبشر وقبلهم الجاسوس الحاراتي، وتستمر لتصفية الحساب الذي لم يقفل بعد بين غنيوة الككلي وعماد الزنتاني، وبين كاره السلفي والجماعة الجهادية المتواجد بعضها في مجموعة حمزة المسلحة، كذلك القتال اليومي في الزاوية بين الفار والقصب واللهب والبيدجا وغيرهم من المجموعات التي تسمى على أسماء آمريها الغريبة والمثيرة للسخرية في أحيان كثيرة والتي لم تأت من فراغ، بل هي في تقديري جزء من عملية الحرب النفسية التي تهدف إلى تتفيه أي شيء في ليبيا!

لمثير للشفقة في الموضوع اجتماعات من يسمي نفسه قائدًا أعلى للجيش الذي لا يستمع إلى أوامره حتى أعضاء مجلسه المفروض، فما بالك بطاعتها وتنفيذها!وأيضًا احتفالات تنصيب وكيل وزارة الدفاع، ليس لأسباب حربية وعسكرية حتى بل لأنه مدخل قوي جدًّا للبزنس!!

وأيضا أوامر النمروش “الذي لا أتصور أن أحدًا يعلم حقيقة منصبه ومهامه” التي أعطت لليبيين انطباعًا بأن غزوًا أجنبيًّا لليبيا يعد له أو قيد التنفيذ! أعلم أن الليبيين يدركون حقيقة ما يجري، لكني أوردت هذه التوطئة عن مفهوم الشأن الداخلي من باب التذكير أولًا، وثانيًا تمهيدًا للتعليق على حرب من نوع آخر في شكلها، لكن في جوهرها تتطابق مع ما يجري في تاجوراء، وهي انتخابات رئاسة مجلس الدولة!!فلقد حاولت التنظيمات المتسترة بالدين لسنوات تصويرها كنموذج للديمقراطية والتداول على السلطة، لإخفاء حقيقة كونها تنظيمات تدعو إلى إقامة أنظمة حكم ثيوقراطية منسوخة من أنظمة القرون الوسطى!

لكن الطمع والصراع على النفوذ وإغراءات المال الفاسد خربت محاولات التمويه تلك وأفشلتها وظهرت حقيقة ما سمي المجلس الأعلى للدولة غير المنتخب أغلب أعضائه الحاليين!

ومع الاحترام لعدد منهم بما فيهم شخصيات قيادية محسوبة على التيار الإسلامي وتقدير جهودهم للملمة الوطن ومحاولاتهم الخروج من البوتقة التي وضعت فيها ليبيا، فإن ما جرى في انتخابات الرئاسة لم يعد شأنًا داخليًّا بالمجلس، حتى إن رئيسه السابق أحال الخلاف على ورق التصويت إلى القضاء للفصل فيها.

وعلى ذكر القضاء وجب التنويه على أن القضية التي رفعها المؤتمر الوطني على لجنة فبراير بعد نصف عام من انتخاب مجلس النواب هي التي يستند إليها المجلس الأعلى للدولة في شرعيته، ولأن الأمر فتح مجالًا للتدخل الخارجي، ومعذرة لا نقصد الدول غير الليبية حسب زلة لسان رئيس الحكومة!

بل يعني الدويلات الليبية سواء المعترفة بمجلس أعلى للدولة أو تلك التي لا ترى دولة لا بمجلس أعلى أو أدنى، دولة كلها مجالس!

وأيًّا كان التوصيف لما جرى في تلك الانتخابات النزيكة – على رأي جعودة صاحب نظرية التل وليس النزيهة-، إلا أنه يفتح مجددًا أبواب النقاش حول الانتخابات، إمكانيتها، احتمالية نزاهتها وفرص قبول نتائجها، ومن أهم محددات المناقشة أن انتخابات مجلس الدولة جرت بين عدد قليل من الأشخاص المعروفين، ينتمي أغلبهم إلى تيار أيديولوجي وسياسي واحد، وتم التصويت على الهواء، وتابعنا الدفع المباشر!

وتوثيق بطاقة التصويت على الهواتف؛ لأنها ربما من متطلبات القبض، وتابعنا عدم الاعتراف بالنتيجة! السؤال كيف سيكون الحال في انتخابات عامة؟

زر الذهاب إلى الأعلى