من أي الأمم نحن؟
المهدي الفهري
سؤال تجيب عنه عناصر الهوية الوطنية والقومية من لغة ودين وتاريخ وحتى الجغرافيا كامتداد للثقافة وكجزء من الحضارة وهي من يمنحنا هوية هي أزكى ما يمكن أن يبلغه الإنسان من سمو وعلو في معتقداته وأنبل ما يصل إليه في ظلها من كرامة وإنسانية إضافة إلى إحساس ونصيب من الشعور بالرضا وبالسعادة لا يتكرر في غيرها أبدا مهما حاولنا، وأي مس بعنصر من عناصرها يُعد شرخا وتعديا وتقويضا للبنية الفكرية والحضارية للأمة جمعاء وما تحمل في رصيدها من انتماء وثقافة وتنوع وما تؤمن به من قيم ومعتقدات لها ذاتيتها التاريخية والحضارية الخاصة بها والتي تستوجب الحفاظ عليها وعدم تركها للسردية التاريخية الاستعمارية الفاقدة للأهلية الأخلاقية لقول الحقيقة للتحكم في تقييم ماضينا وإخضاعنا لمرحلة ما بعد العولمة وذوبان الخصوصيات الاجتماعية.
وعندما نربط الحديث بالحدث فإننا في الواقع نتحدث عن بلد أو حلقة في سلسلة طويلة من الحلقات المُحكمة والمتصلة والتي تفقد بريقها وقوتها وتماسكها كلما كانت منفردة وعن دائرة تقع في دائرة أكبر منها وتمتد أقطارها وأوتارها من الماء إلى الماء، ولا تثريب على ذلك، فهذه هي ثقافتنا الموروثة والمكتسبة التي نعتز جميعا بالانتماء إليها وننذر ذواتنا للدفاع عنها وعن موروثها الثقافي الغني والمتنوع بكل الطرق والوسائل ما استطعنا، ومع أننا لا ندَّعي ولا نبحث عن المثالية ولا نعتقد بأن الحياة عادلة إلا نسبيًا وهذا ما يقودنا للبحث عن اكتشاف أنفسنا واكتشاف شيء يخلصنا ويخلص بلدنا ووطننا الكبير من الوهن والوهم ويعيد فينا وإلينا وخزات الضمير ولحظات الصدق والانتصار على النفس لمواجهة أزمات كثيرة، أزمة ثقافة وأزمة وعي وأزمة أخلاق وأزمة قيم تنتهك ووطن يتصدّع ويتمزق نسيجه الاجتماعي الذي بناه أسلافنا بالدم والعرق والدموع وعلى تراكمات من الآلام والتضحيات الجسام على أمل أن نعيش نحن ويعيش جيلنا والأجيال التي تليه حياة أسعد وأفضل وأرقى.
يقول الكاتب الجزائري رشيد أبو جدرة “إذا لم توجد معاناة فلا يوجد إبداع”.. فهل ما يمر به وطننا اليوم من كوارث ومعاناة بكل أنواعها وألوانها قدر مكتوب علينا لكي نعبر منه ومن خلاله إلى قدر أكثر أمنا وأكثر تقدمًا وإنسانية؟!!وهل مرت الأمم والشعوب من قبلنا بهذه المسالك الوعرة والسبل الضّيقة حتى استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من استقرار ونمو ورخاء؟!!شواهد التاريخ تبين لنا أن أمما أمثالنا تعرضت لما تتعرض له أمتنا اليوم واستطاعت الاستيقاظ من غفوتها ومن غفلتها وتعويض ما فاتها أو أكثر وأمما أخرى حجزت وقبعت في كتب التاريخ إلى الأبد..
فيا ترى من أي الأمم نحن؟ ما يطمئننا أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها بلدنا ووطننا الكبير إلى هذا التخريب الممنهج وكيف استطاع أن يتجاوزه!وما يقلقنا أنها لن تكون المرة الأخيرة، فالأيام لم تعط للناس عهدًا بأن تكون كما يريدون.